سارق البركات….قصة قصيرة….بقلم منى حسنين
ضجت قاعة المحاضرات بالهمهمات ما بين اعجاب و اعتراض كعادة ندوات دكتور أحمد عبد الواحد المثيرة للجدل . ولكن الأجواء في ذلك اليوم كانت أكثر التهاباً . مزيجا من حرارة الجو كعادة شهر يوليو و حرارة النقاش في موضوع يعتبره الكثيرون منطقة محرمة . عنوان الندوة وحده أثار الجدل دون الخوض فى تفاصيلها ” قوة الاعتقاد فى شئ .. تخلقه ” تناول فيها دكتور أحمد قوة الإيمان بالخرافات التي شكلت وعى طبقة عريضة من مجتمعاتنا دون التفرقة بين متعلم و جاهل . ربما ما أثار حفيظة الكثيرين هو أنه قد مس من بعيد منطقة خاصة بالإله حينما أشار أن للعقل قدرات قد تصللدرجة الخلق و استشهد بالعديد من حالات الشفاء بالإيحاء أو ما يعرف فى الأوساط الطبية بحبة “البلاسيبو”
وكعادة دكتور أحمد وقف يتلقى الأسئلة بثبات هادئ و ثقة خاصة أن ندواته مجانية و مفتوحة لكافة فئات المجتمع
بصبر استمر أحمد بأجوبة واثقة لسؤال تلو الآخر دون ان يعلم أنه منذ أربعون عاماً قد زُرعت بذرة قدره فى هذه الحياة إيماناً بإحدى هذه الخرافات
——————————-
تثاءبت أم فاطمة وهي جالسة في شرفة شقتها الجديدة فقد كانت مرهقة من سفرها الطويل من بلدتها القديمة لتستقر في تلك البلدة الصغيرة مع ابنتها فاطمة وزوجها المدرس الذي تم نقله إلى المدرسة الابتدائية الوحيدة في البلدة، وجدت أم فاطمة جارتها الجديدة وهي تلوح لها من شرفة منزلها المجاور، كانت البنايات في ذلك الحي القديم متلاصقة كأنها منزل واحد كبيربغرف كثيرة
لوحت أم فاطمة بدورها بمودة إلى جارتها مما شجع تلك الأخيرة على الحديث : حمد لله على السلامة نورت الشارع
أم فاطمة: الله يسلمك منور بيكم
أنا ابتهال أو ام أحمد صاحبة نصبة الشاى اللي فى أول الحارة-
و أنا أم فاطمة وصلت النهارده الصبح مع بنتي وجوزها المدرس –
عندك احفاد؟-
بنتي ربنا لسة ما رزقهاش العيال مع أنها متجوزة من خمس سنين و لفينا على الدكاتره و كلهم قالوا ما فيش مشاكل-
اندفعت ابتهال قائلة : بعد ما ترتاحوا من تعب السفر هاخذكم معايا مشوار بعدها ربنا هيكرم بنتك بالعيال بس لي الحلاوة
سألتها ام فاطمة بتعجب : هنروح فين ؟
أجابت ابتهال : هنروح المقام و ندعي لصاحب البركات
————————–
في زمن ما
————————–
انسل من بين جموع الصف الأخير من المصليين و اتجه نحو باب المسجد بهدوء ملقيا نظرة متمعنة على المراكيب و الأحذية المتكدسة ملتقطاً احداها بخفة و انطلق مسرعاً . كانت سعادته لا توصف. أخيراً فاز بغنيمته . جلس يتربص و يخطط للحصول على هذا الحذاء لمدة أسبوع كامل . فقد كان من الجلد الفاخر غالي الثمن و كان صاحب الحذاء لا يفارقه في صلواته الخمس فقد كان يضعه بجواره او حتى أمامه و هو يصلي و لكنه اليوم أخطأ خطأ عمره فقد أتى متأخراّ للمسجد فخلعه على استعجال ليلحق بصلاة الجماعة و لم يأبه وكأنه خلع حذره المعتاد مع حذائه
بدا اللص و كأنه يطير من فرط سعادته . يالها من غنيمة ستكفيه شر لسان زوجته السليط و هى توبخه على قلة ما يجلبه للمنزل من مال لأسبوع على الأقل
أسرع لص الأحذية ليلحق بالإسكافي قبل أن يغلق حانوته . رأى الإسكافي جالساً خلف طاولته يصنع المراكيب كالعادة
مرحباً أيها الاسكافي المنكوب كيف حال تجارتك اليوم-
اهلا بحامل البركات من مساجد المدينة . التجارة اليوم كما هى فى الأمس-
اللص: لقد جئتك بغنيمة لا مثيل لها . حذاء من جلد فاخر
أخذ الإسكافي الحذاء محاولاً إخفاء اعجابه وأخذ يقلب فيه يميناً ويساراً .. جيد .. حسناً ..إنه ليس فاخراً جدا ولكنه جيد
اللص : انظر جيدا إنه من الجلد الطبيعي ربما كان في ما سبق ثعبان يجوب الأدغال أو تمساح يرهب سكان المستنقعات-
-الإسكافي :حسناً حسناً سأعطيك خمسة دراهم ثمناً له
-اللص : خمسة دراهم ! إنه حذاء رجل لم يترك صلواته الخمس في المسجد طوال الأسبوع الماضي ويمكنك بقليل من العمل أن تجعل منه حذاء نسائي ساحر وتبيعه بأغلى الأثمان
-الإسكافي: فقط خمسة دراهم وإلا فخذ حذاءك واذهب
رمقه اللص بنظرات يملؤها الغيظ والغضب كان يعلم أنه لن يستطيع بيعه لأحد آخر .فسيعلم الجميع أنه مسروق نظراً للفرق الواضح بين هيئته كلص متشرد وبين فخامة الحذاء
-اللص :حسنا هات الخمس دراهم ولكن ان بعته بثمن جيد اعطيني خمسة دراهم أخرى
-الإسكافي :هي فقط خمسة دراهم ولا شيئا آخر
تمتم اللص وهو مطأطئ الراس حسناً فأنا أحتاج الأموال لقد قل عدد الأغنياء الذين يرتدون الأحذية الفخمة و يصلون في المساجد وكأنهم وجدوا إلهاً آخر يعبدوه ويصلون من أجل
ناوله الإسكافي الخمسة دراهم فانطلق اللص وهو يغمغم بكلمات غير مفهومة ولكن الاسكافي لم يأبه ونظر للحذاء وبدأ في عمله على الفور .لم يغلق حانوته في موعده المعتاد وبعد بضعة ساعات كان بين يديه حذاء نسائي ذو أشرطة ملونة وجلد فاخر ربما كان لثعبان يجوب الادغال أو تمساح يرهب سكان المستنقعات
في اليوم التالي وفي دكان الاسكافي كانت جارية القاضي تحضر حذاء سيدها الجديد فانبهرت بجمال الحذاء المعروض ذو الأشرطة الملونة والجلد الفاخر الذي ربما كان لثعبان استوطن الادغال أو تمساح ارهب سكان المستنقعات وسألت عن سعره فرد الاسكافي خمسون درهم فاخرجت الجارية الدراهم دون تردد وانطلقت فرحة بالحذاء الجميل الذي يشبه أحذية الأغنياء وإرتدته طوال اليوم
عندما وقع نظر سيدتها زوجة القاضي عليه سألتها : من أين لكِ بهذا الحذاء الفاخر
لمحت الجارية إعجاب سيدتها بالحذاء و بخبراتها السابقة في التعامل معها عرفت انه منذ أن وقعت عيني سيدتها عليه و لم يعد الحذاء ملكلاً لها فقالت محاولة أن تخرج بأكبر قدر من المكاسب: اشتريته من الإسكافي بمائة و خمسين درهم . انه حذاء من الجلد الطبيعي كان لتمساح يرهب سكان المستنقعات البعيدة فتكالبوا عليه وقتلوه
قالت زوجة القاضي : ولكنه لن يليق بأعمال المطبخ ولن تستطيعي أن تذهبي به لتشتري الخضروات والفواكه . سأ عطيك المائة وخمسون درهم وسأخذه لأهديه إلى زوجة الوزير غدا في الحفل
قالت زوجة القاضي : ولكنه لن يليق بأعمال المطبخ ولن تستطيعي أن تذهبي به لتشتري الخضروات والفواكه . سأ عطيك المائة وخمسون درهم وسأخذه لأهديه إلى زوجة الوزير غدا في الحفل
لم تستطيع الجارية أن ترفض طلب سيدتها وخلعت الحذاء وأخذت منها الأموال وهي حزينة على فرحتها التي لم تكتمل ولكنها على الاقل كسبت مائة درهم دون مجهود
(كلما زاد عدد الرواة و غاياتهم زادت التفاصيل وتاهت الحقائق)
وضعت زوجة القاضي الحذاء في صندوق أنيق وذهبت في اليوم التالي إلى الحفل المنشود واهدت الحذاء لزوجة الوزير . أعجبت جميع النسوة به فسألتها زوجة الوزير من أين لك به إنه لا مثيل له في بلادنا فقالت زوجه القاضي: إنه من أحد التجار المسافرين عبر البلاد جلده كان لتمساح يرهب سكان المستنقعات فتكالب عليه الرجال وهزموه بعد أن صرع منهم عشرة رجال أشداء
تعجب الجميع من جمال الحذاء وقوة صاحبه الأصلي وقالت زوجة الوزير يا له من حذاء جميل جالب للحظ بلا شك وسيكون هدية جميلة لزوجة الملك، في اليوم التالي استلم القاضي في استعجاب قرار تعيينه رئيساً للقضاة وعندما ذهب وأخبر زوجته قالت له أنها بركة الحذاء ولم يفهم ولم يحاول أن يفهم فقد كانت سعادته بالمنصب تعمي عينيه
بعد بضعة أيام تلقت زوجة الملك هدية . صندوق أنيق به حذاء من جلد فاخر و أشرطة ملونة مرفق به رق مكتوب عليه أن هذا الحذاء صنع من جلد تمساح أرهب سكان الادغال فتكالب عليه الرجال و صرعوه ولكن بعد أن قتل منهم 10 رجال أشداء فأخذ أكارم القرية الجلد وصنعوا منه هذا الحذاء وضعوا به تميمة تجلب البركة لكل من امتلكه و قد جاء به تاجر النفائس إلى المدينة فلم يسعنا الا ان نشتريه لنهديه لسموكم
وفي آخر الرق ختم وزير المملكة
استلمت زوجة الحاكم الهدية ووضعت الحذاء في صندوق زجاجي في مكان واضح في القصر وبنت فوقه قبة زاهية الألوان لتنظر إليه كل يوم وتتبرك به ويتبرك به كل ما مر به من العاملين والخدم والوزراء والقضاء ومن دخل القصر من عامة الشعب
وكما استلم القاضي قرار تعيينه رئيسا للقضاء استلم أيضا الوزير قرار تعيينه كبيراً للوزراء و بجعله من المقربين للبلاط الملكي
—————————–
وقفت أم فاطمة تنادي على جارتها الجديدة ابتهال من شرفة المنزل: يا ابتهال
ايوه يا ام فاطنة إزيك-
الحمد لله … أنا قلت لازم أنتِ تكوني أول واحده تسمع البشرى-
خير يا ست الكل-
فاطمة حامل-
الف مبروك يام فاطنة …و ادي زغروطة مبتطلعش غير للحبايب-
و اطلقت ابتهال زغروطتها الشهيرة فضحكت ام فاطمة و قالت فى جذل
عبد الواحد جوز بنتي ندرها لو جه ولد هيسميه أحمد على اسم ابنك … أحمد عبد الواحد-
بركاتك يا سيدنا صاحب الجزمة يابو سر باتع-
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد