سرير بروكرست: حِكَمٌ فلسفيّةٌ وعمليَّة.. حياة بلا صناديق .. ترجمة: أنطونيوس نبيل
سرير بروكرست: حِكَمٌ فلسفيّةٌ وعمليَّة
تأليف: نسيم نقولا طالب
إهداء المؤلف: إلى ألكسندر ن. طالب
مجلة تفكير تقدم ترجمة أنطونيوس نبيل للكتاب على حلقات أسبوعية.
أنطونيوس نبيل
شاعر وملحن.

الحلقة الثالثة: حياة بلا صناديق
ثيسيوس وعيش الحياة البدائية
– ثلاثةُ أشياءَ هي أخطرُ ما يُدْمِنُه الإنسان: الهيروين، والنشويات، والراتب الشَّهريّ.
– ليكن مقياسك الوحيد للنجاح هو مقدارُ الوقتِ الذي يَلزَمُكَ إضاعتُه.
– أتساءلُ عما إذا كان الأسدُ (أو أحدٌ من آكلي لحوم البشر) سيدفعُ فرقًا كبيرًا في السِّعْرِ للحصول على بَشَرٍ تَرَبَّوا في مَرَاعٍ طبيعية.
– إن كنت محتاجًا إلى سماعِ الموسيقى أثناء المشي، فتوقَّف عن المشي، وإني لراجٍ منك ألَّا تستمع إلى الموسيقى.
– في زمن الحَرْبِ يُدَمِّر الرِّجالُ بعضهم بعضًا، وفي زمنِ السِّلْمِ يُدَمِّرون أنفسهم.
– تُؤَنِّث الألعاب الرياضيةُ الرجالَ، وتُذَكِّر النساءَ.
– تستطيعُ التكنولوجيا أن تَهْبِطَ بحياةِ الأبلهِ إلى أسفلِ السافلين (وتُهَدِّدَ بالشَّللِ) جميعَ جوانبِها، بينما هي تقنعه بأن حياتَه قد اِرْتَقَتْ في سماءِ الكفاءة.
– الفرقُ بين العبودية والتكنولوجيا هو أن العبيدَ يُوعُونَ في أنفسهم حَقًّا أنهم ليسوا أحرارًا.
– لن تمتلك حياةً حقيقة ما لم تُطهِّر مساعيك كافةً مِن منافسة أيّ شخصٍ.
– فيما يَخُصُّ الأمراض الميئوس من شفائها، فإن الطبيعةَ تَذَرُك لتموت بمعاناةٍ مقتضبة؛ لكن الطبَ يَذَرُك لتُعاني احتضارًا مديدًا.
– إننا قانعون بالأشياء الطبيعية (أو القديمة) من مناظرَ ولوحاتٍ كلاسيكية؛ لكننا نَهِمُون في التكنولوجيا، نُضَخِّمُ مِنْ أَمْرِ أيِّ تحسينٍ طفيفٍ في الإصدارت، ويستنزفنا الهَوسُ بآخر تحديث، فتصير عقولنا أسرى حلقاتٍ مُفرغة لا مفرَّ منها.
– في التاريخ الحديث وحده، صار “العملُ الدؤوب” مدعاةً للعِزَّةِ، عِوضًا عن أن يكون مدعاةً للذِّلَّةِ الناجمة عن الافتقار إلى الموهبةِ والبراعةِ والقُدرةِ على الإتيان بالسَّهل الممتنع.
– إن تصوُّرهم عن الرَّاحة هو أن يعملوا سِتَّةَ أيامٍ مِن الأُسبوع ويرتاحوا يومًا واحدًا، أمَّا تصوري عن الرَّاحة فهو أن أعملَ (قِسطًا من) يومٍ وأرتاحَ سِتَّةَ أيام.
– إن ما يسمونه “لعبًا” (التمارين البدنية، السفر، الألعاب الرياضية) يبدو شبيهًا بالعمل؛ إذ كلما أجهدتَ نفسك فيه، أصبحتَ أسيرًا له.
– إن جُلَّ الكفاءاتِ الحديثة هي عِقَابٌ مُرْجَأ.
– إننا صيادون؛ فاللحظاتُ التي نرتجلُ فيها هي وحدُها التي تجعلنا أحياءً بحقٍّ؛ فليس فيها جَدْوَلُ يُقيِّدنا وإنما مُفَاجَآتٌ صغيرة ومُحَفِزَاتٌ من البيئة فحسب.
– فيما يتعلَّق بكلِّ شيءٍ اِتَّخِذْ شعورَك بالضَّجْرِ بديلًا عن ساعةِ الحَائط، واجعلْهُ ساعةَ يدٍ بيولوجية مُقيَّدةً بالكياسة.
– يبدأ أغلبُ البشرِ في التفسُّخِ حينما يغادرون الحياةَ الجامعية التي تتسم بالحُرِّيَّةِ والعِشْرَةِ والبراءة من الفساد، ويذهبون إلى السجون الانفرادية للمِهَنِ والأُسَرِ التقليدية.
– فيما يَخُصُّ عالِم الكلاسيكيات، فإن النظرَ إلى رياضيٍّ تنافسيٍّ لهو بابٌ للألم؛ فمهما اجتهدَ ليصبحَ حيوانًا بدلًا من إنسانٍ، فإنه لن يصيرَ أبدًا سريعًا كالفهد أو قويًا كالثور.
– المهارات القابلة للنقل: قتال الشوارع، والتجوال في مناطق مُوحِشة، والإغواء، والإحاطة بالعلوم. المهارات المستعصية على النقل: المدرسة، والألعاب، والرياضة، والتجارب المعملية -أَيْ كلُّ ما هو مُخْتَزَلٌ ومُنَظَّم.
– إنك تحيا وجودًا كاملًا فقط حينما يكون مِنْ شِبهِ المُحالِ إعادة تشكيل محادثاتك (أو كتاباتك) بمقاطع من محادثات الآخرين.
– الإنجليز لديهم طقسٌ متوسطيٌّ عشوائيٌّ لكنهم يسافرون إلى إسبانيا؛ لأن ساعاتِ فراغِهم ليستْ بالمَجَّان.
– إن العملَ بما يصاحبه مِن أمورٍ له تأثيرٌ تآكليٌّ على البشرِ كالذي للإصابات المُزْمِنَة.
– التكونولوجيا تتجلَّى في أبهى صَورِها حينما تكون غيرَ مرئية.
– الفرقُ بين الحياة الحَقَّة والحياة الحديثة مُسَاوٍ للفرق بين المحادثة والتسميع من طرفين.
– حينما أُشاهدُ البشرَ يتعرقون على أجهزة المشي، أتساءلُ كيف أن الأسدَ المهيمن والأقوى يُبدِّدُ أقلَّ قَدْرٍ من الطاقة نائمًا عشرين ساعة يوميًّا بينما الآخرون يصطادون له. القيصر أقام جسرًا.
– كلُّ ارتباطٍ اجتماعيٍّ ما لم يكن وجهًا لوجه فهو مُضِرٌّ بصحتِك.
جمهورية الحروف
– الكتابةُ هي أَنْ تُكرِّرَ نفسَك فِي غَفْلَةٍ مِن الآخرين.
– الناسُ في أغلبهم يكتبون ليتمكنوا مِن تذكُّر الأشياء، أمَّا أنا فأكتبُ لأنسى.
– ما يدعونه فلسفةً أدعوه أدبًا، وما يدعونه أدبًا أدعوه صحافةً، وما يدعونه صحافةً أدعوه نميمةً، وما يدعونه نميمةً فإنِّي (سماحةً مني) أدعوه تلصُّصًا شهوانيًّا.
– الكُتَّابُ يُذْكَرونَ بأفضلِ أعمالِهم، والسِّيَاسِيونَ يُذْكَرون بأبشعِ أخطائِهم، ورجالُ الأعمالِ لا يَكَادُونَ يُذْكَرُونَ أبدًا.
– ربما يتراءى لنا أن النُّقَّادَ يَعِيبُون على المؤلفِ أنه لم يكتب العملَ الذي أرادوا قِرَاءتَهُ، بينما هُم في الحقيقة يعيبون عليه أنه كَتَبَ العملَ الذي أرادوا كِتَابَتَهُ وهم عنها عاجزون.
– إن الأدبَ ليس بعثًا للمزايا، بل طمسًا للعيوب.
– اقرأ فصلًا واحدًا من روايةٍ لنابوكوف لتحظى باللذَّة، واقرأ فصلين لتُعاقب نفسك.
– هناك فرقٌ بين توهُّم المرض التعبيري والأدب، يُماثلُ بالضبط ما بين التنمية البشرية والفلسفة مِن تَبَايُن.
– فلتواظب على أن تُذَكِّرَ نفسك بالأمرٍ الجَلِي: السِّحرُ موطنُهُ ما لا يُقال ولا يُكتب ولا يُعرض. الصَّمتُ لا يروِّضُهُ إلَّا مَن كَمُلَتْ براعتُه.
– لا يَتَأكَّدُ فَشْلُ كاتبٍ إلى أن يَشْرَعَ في تدريسِ الكتابةِ للآخرين.
– العلمُ المُحْكَمُ يُعطي نتائجَ مثيرةً عَبْرَ عمليةٍ مُمِلَّةٍ على نحو لا يُطاق؛ والفلسفةُ تُعطي نتائجَ مملةً عبر عمليةٍ مثيرةٍ؛ والأدبُ يُعطي نتائجَ مثيرةً عبر عمليةٍ مثيرةٍ؛ والاقتصاد يعطي نتائجَ مملةً عبر عمليةٍ مملةٍ.
– يُمكنك أن تُنهي بقولٍ مأثورٍ مناقشةً قبل أن تَشْهَدَ بَدْءَها.
– كما أن هناك كُتَّابًا يستمتعون بأنهم كتبوا فيما مضى وكُتَّابًا يستمتعون بأنهم لا يزالون يكتبون، فإن هناك كُتُبًا تَستمتعُ بأنك لا تزالُ تقرأُها وكُتُبًا تَستمتعُ بأنك قَرَأْتَها فيما مضى.
– العبقري شخصٌ عيوبُهُ أشدُّ استعصاءً على التقليد مِن مزاياه.
– مع الكتب العادية، اقرأ المتنَ وَدَعْ عنك الحواشي؛ ومع تلك التي كتبها أكاديميون، اقرأ الحواشي وَدَعْ عنك المتنَ، ومع كتب الأعمال، دَعْ عنك المتنَ والحواشي.
– إن اتَّسَعَتْ معرفةُ المرءِ ضِعْفًا؛ تقلَّصَت اقتباساتُه إلى النِّصْفِ.
– يشعرُ الفاشلون الذين يُعلِّقون على أعمالِ شخصٍ هو أكثر تأثيرًا على نحو جَلِّي، بأنهم ملزمون بالحَطِّ مِن شَأنِ موضوعِهم بلا داعٍ وذلك بإعرابهم عمَّا لا يَتَّصِفُ بِهِ (“هو ليس بعبقريٍّ، ولكن …”؛ “ما دامَ أنَّه بالتأكيد ليس نابغةً مثلَ ليوناردو دافنشي…”) عِوضَ الإعراب عمَّا يتّصِفُ به.
– كَوْنُك حيًّا يتناسبُ عكسيًّا مع مقدار الكليشيهات التي تكتبها.
– ما ندعوه “كتبَ الأعمال” هو فئةٌ إقصائيَّة ابتدعتها المكتباتُ لتستوعبَ الكتاباتِ التي ليس لها عمقٌ، ولا أسلوبٌ، ولا دِقَّةٌ تجريبيَّة، ولا سُمُوٌّ لغويّ.
– البيروقراطيون ثمارُ الفطرةِ لا الدُّربةِ، مثل الشعراء والفنانين؛ إذ أن البشر العاديين يحتاجون إلى بذلِ جهودٍ خارقة كي يثابروا على الاهتمام بكل هذه المهام المضجرة.
– تكاليف التخصُّص: المهندسون المعماريون يُشيِّدون ليُثيروا إعجاب المعماريين الآخرين؛ وعارضات الأزياء يُظْهِرْنَ رشاقتهن ليُثِرْنَ إعجاب العارضات الأخريات؛ والأكاديميون يكتبون ليُثيروا إعجاب الأكاديميين الآخرين؛ وصانعو الأفلام يجتهدون لإثارة إعجاب صانعي الأفلام الآخرين، والرَّسامون يكافحون لإثارة إعجاب تُجَّار الأعمال الفنية؛ أمَّا المؤلفون الذين يكتبون لإثارة إعجاب المحررين فمصيرهم الفشل.
– إنَّ الرَّدَّ على النقاد مضيعةٌ للمشاعر؛ فالأجدى لك أن تظلَّ أعمالُك تُطبعُ زمنًا مديدًا بعد موتهم.
– بمقدوري أن أتكهن بالوقت الذي سيبدأ فيه مؤلفٌ ما بانتحال أفكاري، ولكن من الصعوبة البالغة أن أتكهن بالوقت الذي سيكتب فيه أن نسيم طالب قد “قام بالترويج” لنظرية أحداث البجعة السوداء.
– قارئو الصحف الذين يتعرضون للنثر الحقيقي مِثْلُ أشخاصٍ صُمٍّ يشهدون أوبرا لبوتشيني، رُبَّما يُعجبهم شيءٌ أو شيئان بينما هم يتساءلون “ما المغزي؟”
– بعضُ الكُتُبِ لا يمكن تلخيصها (الأدب الحقيقي والشعر)، وبعضها يمكن تركيزه في قُرابة عَشْرِ صفحات، ومعظمها يمكن إيجازه في صفحاتٍ لا يتخطَّى عددُها الصفرَ.
– إن عصرَ المعلومات الذي ينمو أُسْيًّا يُشْبهُ شخصًا مُصابًا بسلسٍ لفظيّ: كلما أسرف في الحديث، تضاءل عدد المنصتين إليه.
– عندما نسبر غور ما ندعوه سردًا خياليًّا فإننا نجده أقلَّ تخييلًا مما ندعوه سردًا غير خياليّ، ولكنه عادةً ما يكون أدنى إبداعًا في خلق عالَمه.
– كتابةُ مراجعةٍ لكتابٍ قرأته أشدُّ صعوبةً من كتابةِ مراجعةٍ لكتابٍ لم تقرأه.
– إنَّ معظمَ الكُتَّابِ يواظبون على الكتابة بدأبٍ حتى يعثروا على شيءٍ يقولونه.
– في وقتنا الرَّاهن نحن مُخيَّرون بين الذين يكتبون بفصاحةٍ عن موضوعٍ لا يفهمونه والذين يكتبون بركاكةٍ عن موضوعٍ يفهمونه.
– العصور المظلمة المتخمة بالمعلومات: في عام 2010 نُشر ستمائة ألف كتاب، باللغة الإنجليزية فحسب، فإذ بهذا الكَمّ الوافر لا يحوي إلا عددًا ضئيلًا من الاقتباسات المأثورات. ونحو عام صفر ميلاديَّا كُتبت حفنةٌ من الكُتُبِ، وعلى الرغم من أن عددًا ضئيلًا منها قد نجا، فإنها تحوي كَمًّا وافرًا من الاقتباسات الباقيات.
– قديمًا كان مُعْظَمُ الناسِ أُمِّيين وكُنْتَ لتَجِدَ واحدًا من أَلْفِ نَسَمَةٍ مُثَقَّفًا بما يكفي لتتحدثَ معه، الآن وقد صار معظم الناس يعرفون القراءة والكتابة، فأنك لتجد واحدًا من عَشْرَةِ آلاف والفضلُ في ذلك يعود إلى التقدُّمِ والإعلام والتمويل.
– إنَّ التَّصَرُّفَ (كَرْهًا) خارجَ الصندوق، لأهونُ علينا مِن التفكيرِ (طَوْعًا) خارج الصندوق.
– نِصْفُ البلاهةِ في ألا تُدرك أنَّ ما تكرهه قد يحبه شخصًا آخر (ومِن ثَمَّ قد تحبه أنت نفسك فيما بعد) والعكس صحيح.
– أَنْ تُفكِّر كرجل أفعالٍ أقلُّ خطورةً مِن أن تتصرَّف كرجل إفكار.
– حينما يتستر الأدبُ على الرذائل والنقائص والهوان والارتباك فإنه يُبعثً حيًّا، ومع كُلِّ أثرٍ للوعظ يموت.
لقاؤنا يتجدد كل أحد مع حلقة جديدة من سرير بروكرست: حكم فلسفية وعملية.
لقراءة الحلقة الثانية من سرير بروكرست: حكم فلسفية وعملية اضغط الرابط التالي:
الحلقة الثانية: الحرية، المقدس، والعبودية الحديثة
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
تعليق واحد