طباطيب العبر…. حكايات من قلب الرحيمي

كتبت: إيمان اسماعيل

إيمان اسماعيل

440878463_442015385185178_4507253607105617610_n طباطيب العبر.... حكايات من قلب الرحيمي

في السادس والعشرين من يونيو 2024 في تمام السابعة مساءا, بالمعهد الفرنسي بالقاهرة وداخل مكتبته العريقة اجتمع حشد من الأدباء والمفكرين ليستمعوا لروئ ونقاشات تغوص عميقا في قلب طباطيب العبر وفي قلب وعقل الأستاذ أسامة الرحيمي، الصحفي الكبير والأديب المخضرم، لمحاولة فهم ولمس روح الحنين والتأريخ والأدب التي شملها الكتاب، فطباطيب عبر الرحيمي عمل يستحق الوقوف أمامه طويلا، فقلما نجد عملا بطلاوة ما قدمه الرحيمي.

إن كتاب “طباطيب العبر.. حكايات أدبية من الدراكسة” عمل ضخم، جمع بين طياته حكايات عشت معها نوستاليجا فريدة، حيث أخذتني لحجر جدتي وجلسة النساء في الشتاء حول موقد النار وهن يقصصن حكايات الراديو والتلفزيون الابيض وأسود والشغالة “التملية” وغيرها من التفاصيل التي أحيت خيالي وخلقت به صور ذات طابع فريد، وكذلك تذكرت المآتم والأفراح وغيرها من الممارسات التي شهدتها في قريتي، وفي جميعها كنت أتعجب كيف نملك جمعيا نفس القصص بنفس الإنفعالات والمشاعر، كيف إجتمعنا بينما نقطن طرفي البلد؟ كيف للصعيد والدلتا أن يلتقيا هذا اللقاء الحميمي الدافئ؟

وحده طباطيب العبر تمكن من خلق هذه التوليفة السحرية، فهو كتاب روعته لن تكفيها سلسلة مقالات، بل يحتاج لدراسات لتشريح وتفنيد تلك الرؤية العميقة والفهم المتميز للشخصية المصرية، واليوم حظيت بلمحة عميقة لا تقل روعة عن الكتاب عندما استمعت لضيوف الندوة وجميل وعظيم رؤيتهم وتحليلهم، وهم د.صلاح سري، وأ. محمد حربي، ود. جمال العسكري، وأدار الندوة أ. هاني حنا، جاءت الندوة ضمن سلسلة ندوات مذاق الكتب التي يعقدها المعهد الفرنس شهريا

image طباطيب العبر.... حكايات من قلب الرحيمي

بدأ الحديث بسؤال وجهه أ. هاني للرحيمي قائلا

ما هو مصدر فكرة الكتاب؟ هل الدافع هو الحنين لذكريات وحياة القرية؟ أم رغبة في تسجيل تاريخها ورصد التغيرات التي تمر بها؟ أم عرض رؤيتك في التحولات التي مرت بها مصر؟

:وأجاب

جميعها، كلها كانت دوافع فعلية للكتابة، حجم المفارقة بين واقع القرية والدعاية التي ملأت الأجواء بعد ثورة يوليو 1952 كان محركا رئيسيا فنجد مثلا أن عبدالحليم وحده غنى 60 أغنية وطنية يمجد فيها الثورة، ولكن بالنظر لواقع الفلاح نجد أن هناك ملايين الافدنة استولى عليها أجانب وأن ما ذهب للفلاح من أصل 3 مليون فدان لا يتعدى 300 ألف وهذا على مرحلتين والثالثة أوقفها السادات، هذا جزء من الواقع لم ترصده الاغاني والسينما التي تملقت للسلطة، التملية على سبيل المثال لم يتغير واقعهم بعد الثورة عن قبلها، ولذا كانت الكتابة نوع من الإمتنان للفلاح وكذلك حتمية تسجيل البعد السياسي والإجتماعي وأيضا رصد التغيرات محرك هام، فمصر بها حوالي 5000 الآف قرية كبيرة قديمة و 22 ألف تابع، اتسعت وأصبحت قرى كبيرة، فكان لازاما رصد وتسجيل عاداتها وتقاليدها .والتغيير الذي يطرأ عليه

449183047_10160989129315804_7357500264468896362_n طباطيب العبر.... حكايات من قلب الرحيمي

أما الأستاذ محمد حربي فإن أهم ما استوقفه في الكتاب هو رصد التشوه في الروح المصرية والسؤال عن الانفتاح ودوره في هذا التشوه، وكذلك رصد الظواهر الاجتماهية والسياسية التي أولاها الكتاب إهتمامًا كبيرًا وهو ما يفسر التحولات التي حدثت في مصر في هذه الفترة التاريخية الحرجة، كما أنه وصف الكتاب بأنه شكل من أشكال الرواية ورأى أن التملية خيط زمني لفترات التحول فقصة نعمة أظهرت تجبر التملية فيما بينهم وتشوه أرواح بعضهم، وأكدت قصة أشاعة ب3 جنيه على هذا التشوه وغيرها من حكايات الكتاب التي بينت أن العلاقة بين العامل والإنتاج هي علاقة مَلَكية، كما الكتاب انتصر أيضا لاستحقاق التملية للعدالة الإجتماعية، فسِر الرحيمي كما أشار أ. حربي هو الوعي الحاد والموهبة الصحفية وثقافته الروسيو-مصرية والنجيب محفوظية، كلها عوامل امتزجت بدقة لتخرج الكتاب في شكل روائي بحبكة زمان ومكان وشخوص فريدة من نوعها

449437606_10160989128820804_6928786738003661341_n طباطيب العبر.... حكايات من قلب الرحيمي

أما د. صلاح سري فذهب بنا في رحلة ماتعة استفاض فيها بالحديث عن أنواع العمل الأدبي في إجابته عن سؤال: هل طباطيب العبر رواية؟ بدأها بقوله أنه متشيع للرحيمي لأن الرجل يكتب بمفهوم “ضمير المهنة” وهو ما يميز كل ما يقدمه بلا استثناء، فهذا الكتاب يأخد قارئه تماما بمكامن المعنى وعوالمه وحكاياته، هو ليس مجرد تأريخ بل محاكمة ، هو وقفات وتأملات في النفس والروح، هو رؤية لما يحدث في دواخل نفس الإنسان البسيط، كما أنه كتاب مراجعة لتيار كامل، فتيار المراجعة هذا وقف أمام لوحات عبدالحليم حافظ وكمال الطويل وأمام الضربة القاسمة في 76 ثم ما تلاها من إنهيار، لذلك بالنظر في عنوان الكتاب نجد أننا أمام طبطبة وتربيت وحنو على النفس والقارئ، على المصريين الذين عانوا الخسارة إجمالا، ثم تلحق هذه الطبطبة الاعتبار مما مررنا به، فالرحيمي جسد كل هذا بروح المحقق الصحفي.

ويمكن وصف الكتاب بأنه حكايات متصلة منفصلة وهو ما أسماه الدكتور بالمتوالية القصصية، فالكتاب بنيته أدبية بكل تأكيد ولكنه كتب بنية التحقيق الصحفي والعنصر الفاعل فيها هي بنية الإخفاق، فاللوع الذي ينتاب كل أبطال القصص هو الإحساس بالهزيمة الذي عشناه ونعيشه، فالكتاب جاء بفكرة توثيقية المكان ولكن الأهم أنه يسأل ذلك السؤال الوجودي “ما الإنسان” ليسرد حكايات في طياتها أنه ابن الزمان والمكان.

فالكتاب في رأي الدكتور ينقسم لثلاثة مراحل

اللوحة الريفية – التقرير كما في الخربة

القصة المحبوكة – كما في التابلوه الأخير

الرواية الشخصية كما في أشاعة ب3 جنيه

449189668_10160989129030804_5912075730544681671_n طباطيب العبر.... حكايات من قلب الرحيمي

ثم إنتقلنا في الجزء الأخير من الندوة لحديث د. جمال العسكري، ورأى أن أهم ما في الكتاب هي القصدية، فالنص في رأيه بنية معرفية، فقصدية التعبير هنا مواجهة راسخة للوجود، فالكتاب الذي ضم 49 قصة هو في جوهره سيرة ذاتية تحكي عن حالة الوعي العميق الذي من أهم مقوماته هي القدرة على الحكي وهو ما يميز عالم الفلاحين، ولكن تميز الرحيمي كان أقوى وتظهر تجلياته في إختيار العنوان الرئسي والعناوين الجانبية، فإستخدام كلمة “حكايات” وليس قصص هو أشارة ملهمة تبين مستوى القصد العميق لدى الرحيمي، هو تمرد على التقليل من شأن الحكاية في مواجهة القصة، مع أنها الأصل الذي عرفه الأنسان في سرد ما يمر به، فالرحيمي إنتصر للحكاية غير آبه بالمصطلحات المتعالية التي إمتلأت بها قاعات دراسة الأدب.

وبالنظر إلى الكتاب نجد أنه مستويات، ففي البداية هو مستوى من القصد العميق، ويظهر هذا في وجود أسامة الرحيمي كونه الراوي، ومعالم هذا الوجود تتجلى في وعي الرحيمي التاريخي وإختلاط هذا الوعي بالنفسي ثم تورط الراوي مع حكاياته وشخوصها بالحب والحزن والمشاركة وغيرها من الانفعالات والمشاعر الإنسانية، هو تورط مع الشخصية التي يقدمها في كل قصة وحكاية يظهر هذا التورط في تجاوزه للدوجما بالوعي الحضاري، وهي وسيلة تلطيفية تظهر إدراك الواقع من منظور جمالي، وكذلك تواطئه الإنساني وحرفيته في المزج بين مستويات الوعي المختلفة هذه، تتزين فيها حرفية الرحيمي بشجاعته حد التهور في الكتابة عن شخصيات وأحداث بحقيقية بواقعية وصدق وبلمسة إنسانية أدبية من الطراز الأول

wprl5ker طباطيب العبر.... حكايات من قلب الرحيمي

i0vwbqsr طباطيب العبر.... حكايات من قلب الرحيمي
peizskxx طباطيب العبر.... حكايات من قلب الرحيمي

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات