طرحة نبيتي..قصة قصيرة..بقلم محمود فوزي
محمود فوزي

كانت معلقة على مرآة التسريحة “طرحة نبيتي”، كانت تتسلل خيوط ضوء الشمس الذهبية لتضيئها , نسمة خفيفة تحركها بشكل قد لا يُلاحظ، كانت تبدوا طرحة عتيقة تحمل ذكريات كثيرة، رائحة من ارتدوها ما زالت عالقة بها، دموعهم امتزجت بقماشها، ماضيهم وأحلامهم، جزء من أرواحهم عالق بخيوطها، كأنما أرادت التحدث إلينا بعيداً عن الصخب الذي نحياه، تخبرنا من هي وكيف جاءت؟ لكن البشر مساكين، يخافون وعنيدون ولو نطقت لمزقوها وإعتبروها شيطان، فصمتت وتركتنا في لغز الحياة نفك طلاسمها بألم السؤال والشك , لم أنت مهمة والجميع ترك شرور العالم تغطيه لأجلك؟
طرحة نبيتي
وقفت أمام المرآه تتأمل آثار الزمن كانت صورتها وهي طفلة أمامها على تسريحتها الصغيرة, قطعة عتيقة الطراز ومتهالكة، كانت صورتها مبروزة ببرواز تقشرت أجزاء من لونه الذهبي، أخفى إتساخ زجاجه برائة بسمتها الحالمة وكأنها صورة غير ملونة لروح قديمة، تأملت بشرتها البيضاء الشاحبة وهالات عينيها المرهقتين كأنما بكت زماناً طويلاً، كانت تقف بطول فارع وجسد نحيل ويتدلى شعرها الأصهب الضعيف حتى منتصف ظهرها، بـ”البيجامة” الوردية وقفت تضع ما يخفي شحوب أخفى نضارتها، ضميرها كممرضة حتم عليهم أنت تظهر بصورة ملائكية للمرضى لتعطيهم الأمل، رغم فقدانها له لكن يبدوا أن هناك ينبوع أمل في صحراء قلبها ولكن لا تراه، كانت عمتها تقول لها دوماً “بتتزيني لمين يا بنتي” بقلق بادي على وجهها، كانت ترد “لمين يا نوسا يعني”، “هيا الناس التعبانة في المستشفى ناقصين هم” عرفت ببرائتها أنه لا يحب المرضى رؤية شبح قد يحسبونه أتى لأخذ أرواحهم، ما زال قلبها يؤمن بالإنسانية، إرتدت زيها الملائكي الأبيض ولملمت شعرها وربطته لكن هربت خصلات من الأمام تأبى الإنضمام لباقي الخصلات المطيعة، وضعت “الطرحة النبيتي” ولم تحكمها جيداً كانت تشعر بضيق تنفس كلما أحكمتها، وهذا منذ حاول أبيها الراحل خنقها بطرحتها عندما عادت في وقت متأخر وهي رفقة خطيبها [ وهو إختيار أبيها ] خوفاً أن يتحدث الناس عن شرفها، خاصمته حتى مات وقضت أيامها عند عمتها ولكنها تذهب بشكل سري لتزور قبره، لم تتخلى عن طرحتها فهي كانت ملك لشخص عزيز رحل عن عالمنا، يبدوا أنها كرهت تلويث تلك الطرحة بذكرى سيئة.
قَبّلت عمتها وأسرعت ناحية الباب “مش حتفطري يا بنتي” وهي تنظر نظرة أخيرة لمرآة صغيرة معلقة قرب الباب “مفيش وقت إتأخرت، حاكل أي حاجة في الطريق”، نزلت مسرعة ولم تغلق الباب، بنظرات متعجبة وحركة متثاقلة أغلقته العمة، كانت تقتحم (مها) ضباب القاهرة من عوادم السيارات والأتربة المتصاعدة، صدمة ضوضاء تقتل الأرواح، مساكين قاطني مدينتنا، ركبت الميكروباص وجلست منتظرة امتلائه وكادت تخطفها غفوة كالعادة لكن قاومت , لمحت مجموعة فتيات مراهقات يضحكن ويتمازحن , ودخلت في حالة سرحان وكأنها تعيد شريط حياتها
(مها) فتاة أواخر العشرين بملامح بريئة ساكنة، كأنها طفلة لم تكبر بعد رغم علامات مرور الأيام، هي لا تعرف أمها فقد ماتت أثناء ولادتها , يتحدثون أنه إنتقام إلهي فأمها كانت أجنبية وأسلمت، لكن لم ترتدي الطرحة، لم يتقبلها أحد رغم إسلامها , بقوا يشكون في حقيقة إيمانها، رغم إنها كانت تصلي بـ”الطرحة النبيتي”، وتذكر وتتصدق أكثر من أصحاب تلك الألسنة مثل أخ زوجها، عم (مها) آكل ميراثها، مضحك الأمر ومبكي، بالطبع أكل العم ميراثها رغم مناشدات العمة العجوز التي تعيش معها (مها)، ولم تطالب بحقها فهي فتاة عاقة لم تحضر جنازة أبيها على كل حال.
أُجبرت (مها) على إرتداء الطرحة في سن مبكر , قبل البلوغ، ليحميها من لعنة أمها لكي لا تموت مبكراً [وكاد يقتلها بطرحتها في نفس الوقت؟] الحقيقة أنه كرهها ورآها حرمته من حبيبته (أمنية) وأنها تجسيد لغضب الرب “فتاة خفيفة مصنوعة من الآثام، لعنة، تحمينا الطرحة من شعلتها القاتلة”، رتب لها زواجاً مدبراً لفتى من العائلة من قرابة بعيدة، “علشان تتلم بدري” مرتبطة بـ(حسام) من عدة سنوات، ليست متأكدة من مشاعرها تجاهه لكنه فتى لطيف وهادئ يكبرها بعشر سنوات ويتمتع بسمار فاتح مريح للعينين وملامح مصرية حادة كأنه منحوتة فرعونية، أحبته قليلاً، كان يهون عليها مصاعب الحياة وقسوة الأب، أرادت إحتضانه مرة لكن تخشى ضياع شرفها عند الناس وقد تخشى أن يضايقه الأمر، المفارقة أنه كان يراها طفلته وأراد ضمها لصدره كلما بكت لكن حادثة الطرحة عالقة بالذهن، فقيد مشاعره.
لما ربطونا مبكراً ونحن لا نملك مالا لشراء عادات المجتمع شقة وجهاز وقاعة، كانت تكفينا غرفة بنافذة مكسورة، هكذا تسائل (حسام) دائماً، كانت علاقتهم مفتقدة للكثير، كأنهم في مهمة رسمية أو نضال مقدس لتطهير نفسيهما من خطيئة قديمة.
هما يكافحان لتجهيز الكثير من تفاصيل الزواج التقليدي، تعمل (مها) طوال اليوم بين المستشفى الحكومي براتب ضعيف معرضة لمخاطر كثيرة، وتعوض بالعمل كمقدمة رعاية للعجائز باقي اليوم، أحيانا تختطف لحظات الراحة في المواصلات فعمتها أصبحت كبيرة وهي وحيدة بلا زوج وأبناء فمن يراعيها؟ ويكفي أنها تأويها وتدافع عنها، وتعطيها جرعة الحنان المفقود، من حسن حظها أن نوم عمتها ثقيل، فتقتنص عدة ساعات نوم متواصلة، و(حسام) كذلك دائم العمل والحركة والبحث عن شقة العمر وقد وجد شقة بلا تشطيب في دور مرتفع، لم تصعد لها (مها) ولا مرة، كان يمازحها (حسام) “حتعملي إيه لما نتجوز؟” فتبتسم وتتكلم بدلال الأطفال “منا حطلع ومش حنزل , أرتاح شوية بقى “، كانا لا يقهقهان مجرد بسمات ضاحكة، تلك كانت لحظاتهم السعيدة، قليلة لكن تبقيهما أحياء، لم يكونا كأي شابين مخطوبين يذهبان في موعد ويدخلان السينمات، أو يزوران الحدائق، لم تعتاد حتى سماع الأغاني رغم حبها للنغم، نسيت معاني كثيرة وفقدت تذوق الحياة والجمال، حتى خسرت تذوق صلواتها ومناجتها، كانت مجرد رقم في الحياة.
قطع غرقها في بحر ذكرياتها أصوات “خناقة” على بعد شارع واحد من المستشفى، توقعت يوماً مزعجاً في العمل، دخلت من باب المستشفى كأنها دخلت عالم آخر، تغيرت ملامحها لبسمة مريحة وكانت تتجول في الأروقة كملاك للحياة، وسط رائحة الموت لقلة التجهيزات وإنعدام الضمير، فلا بشر هناك، كانت تعامل المرضى بلطف وتمازحهم بخفة بلا ميوعة، لكن هكذا نظرات الغيرة تبحث عن مطعن، ولا أفضل من الدين للطعن، لا يتركون شئ إلا وصبغوه بحقدهم، كان زملائها يكرهونها لتفانيها بالعمل، يرونها منافقة لم تتفاني والراتب ضعيف؟ يقولون هناك سر بغمزات ولمزات شيطانية، يتهامسون في وجودها دوماً لا تسمع ولكن تعرف ما يدور، “مش حكمالي” الطرحة النبيتي “يختي وكل شوية تعدلها، فاكرة نفسها صغيرة، وعمالة توزعلي إبتسامات” لا يعلمون شئ ويتحدثون كما الموحي إليهم، (مها) تمتلك بحراً من محبة وإنسانية ولابد لهما من البزوغ، ذلك يبقيها على قيد الحياة وقد تنهي حياتها لو لم ترى تأثيرات إنسانيتها على وجوه المتعبين، بسماتهم، دعواتهم، إمتنانهم، كل ذلك كان يسكن أنين قلبها الباكي، مغفلون لا يعلمون أنهم يدفعونها لجرف الهلاك.
لكن كانت إحدى الزميلات الهادئات ترتدي نقاباً وتتجنب حفلات الغيبة، بل تتجنب الكل، أثار فضول (مها) قلة كلامها ورزانتها وأرادت كشف اللثام عن تلك الشخصية، يومها تحت ضغط العمل والمضايقات المعتادة إنفردت (مها) لتبكي وحينها دخلت زميلتها المنتقبة، مسحت عينيها وهمت بالخروج، مسكتها زميلتها من ذراعها وحاولت أن تجلسها فلم تقاومها، ثم كشفت عن وجهها، كانت سيدة في آواخر الأربعينيات جميلة بوجه حنون كأنما البدر، كانت مفاجأة لـ(مها)، بادرتها بالكلام “متزعليش يا حبيبتي ولا تاخدي في بالك، الناس عملت معايا أكتر يا بنتي أنا عملت بلاوي في حياتي ورغم التوبة الناس فضلت تعايرني فلبست النقاب، إنت لسه صغيرة”، كل منا لابد أن يخوض الحياة ويخطئ ويصيب، المهم أن يبقى الله في القلب لنصل في النهاية أو نمضي له ونحن على الطريق، إنتهى اليوم بالمشفى ونرى (مها) على بابه تستنشق الهواء، نحن نحياه لنكتشف أنفسنا بين الصواب والخطأ , علقت تلك الكلمة بعقل (مها)
بعد إنتهاء يومها بين الملائكة والشياطين في المستشفى، لا تجد وقت لترتاح، تواصل عملها مع العجزة والوحيدين، عالم مخفي كعالمها مقيدين كقيدها، أعيقت عن ممارسة حياة طبيعية مثلهم، قد تكون أجسادهم عاجزة لكن أرواحهم حرة، أما هي حبيسة الروح، أحبت عملها مع هؤلاء السماويين فوجودهم وإستمرار بعضهم في العيش ومعايشتهم لأعمق سؤال ” أين الله من شرور العالم “أثار فكرها، أرادت أن تجد جواباً لظلام عالمها القاتم عندهم، ما زالت تذكر ما فعله أبيها الراحل فمنذ أن ظهر طولها الفارع الجذاب قبل حتى بلوغها، وكأن هلعاً أصاب والدها وكره نوعها كإنثى، ففي وادينا الإناث بلاء مبين، مقلقة، وخطرة، وجسدها يحمل قنابل عار مؤقتة، يجب محاوطتها بسياج أمني خانق، ومراقبة مخابراتية دقيقة، شيطان داخلها سيخرج لو تبعت قلبها، أبها روح؟ بل معلمة الشيطان، كأن السؤال بقي قائم من عصور الظلام، فهي مخرجة آدم من الجنة، لعينة.
كان كلما لاحظ أبيها، دلالاً عليها مثل مشية مرحة لغرفتها، أو هُيئ له دندنة ولو في البيت، أو رآها مستلقية أو جالسة مسترخية ورواية ما تقرأها ويعلو وجهها نظرة حالمة، يرفع صوته “البنت المحترمة متعملش كده، عاوزك عسكري إمشي عدل وإقعدي رافعة ضهرك، والروايات ديه عالم فاضية كتباها”، حرمها من أنوثتها وإنسانيتها، كان يتوتر كلما شاهدت فيلماً خوفاً من قبلة أو رقصة، حرم الأغاني في البيت وأي مظاهر “فرفشة”، أفعاله تلك لم تكن تديناً بل خوفاً أن يوقظ الفن داخلها شيئاً، وهو قد فقد حس تذوق الفن بعد رحيل حب حياته، فقد أقنعوه أن ما ألم به من مصائب هو إنتقام إلهي، فلا تفسير منطقي لموت زوجته المفاجئ (أمنية)، كانت مرحة وتغني في البيت وتراقصه مازحة، كانت الأجواء فرحة، شعر أن الفرح لعنة، بدا له أن الله لا يحب الفرحين؟ عجباً لتفسيراتهم لكلام رب الجمال، صبغوا الدين بأزماتهم النفسية.
عُرض عليها عملاً؟ مقدمة رعاية لرجل في منتصف الثلاثنيات، أصيب بالفقرات العنقية وفقد الحركة تماماً وتركته خطيبته حب حياته، وأبواه رحلا في بداية شبابه، رغم رفض (مها) للعمل مع رجال ولكن صاحبة المكتب الوهمي أقنعتها بحجة المجتمع مش حيتكلم “لأنه مبيعرفش” وحاجتها للمال وقناعتها أن الإسراع بزواجها بـ(حسام) فيه ساعدتها وحريتها المنشودة فوافقت بتحفظ، تواصلت مع الرقم المعطى لها فأجاب رجل كبير في السن، وأخذت العنوان وذهبت، عرفت أن عمه يقوم على شؤونه، شعرت بأجواء خانقة وكأن الموت يسكن بالمكان، بيت مهمل وصغير، ولم ترتح للعم، الأعمام مخيفون دوماً ولهم مصالح خفية، أدخلها على (خالد) لتتعرف على مريضها، كان شاب عادي، بشرته لا ببياض اللبن ولا سمار الأرض، نائم على ظهره بملامح خاوية ولحية وشارب يخفيان وجهه، تركهما حزناً، قال لها العم “حتخلي بالك منه وأنت معفية من أي نضافة شخصية لجسمه، في حد تاني بيجي” وتركها معه وذهب، جلست قليلاً وهي تنظر له بطرف عينيها وهو صامت بلا كلام ولا حراك، ودقات الساعة رتيبة ومسموعة، تكلمت “لو محتاج حاجة أنا هنا، بالمناسبة إسمي (مها)” لم يبدي أي ردة فعل تجاهها، ينظر فقط للسقف، جلست محتارة وإنتظرت لكن لإرهاقها غلبها النعاس، ومضت ساعة، قطع الهدوء صوت سعال شديد، يبدوا أنه بلع ريقه لطول إستلقائه، خبرتها التمريضية جعلتها تتعامل بهدوء ولم تتحفظ لمساعدته، مرت الأزمة ووجدتها لفرصة لتقدم له ماءاً وطعاماً، رفض الطعام ولكنه شرب، ومرت الساعات رتيبة بلا كلام،
عاد العم وبرفقته المرافق الاخر، تحدثت مع العم عن وضعه الصحي وإمتناعه عن الطعام وقلة الماء وخطورة الأمر عليه، وبالذات إستلقائه الدائم، ثم تسائلت “هو عنده كرسي متحرك” أجاب العم ببرود “ما هو مش عاوز يقعد عليه فلميناه وشلناه” دعت الله لـ(خالد) وإستأذنت بالذهاب، وطوال الطريق لم يفارق الأمر تفكيرها، روح مأسورة كروحها، لكن، هي تقاوم وهو إستسلم، أيهمني الأمر أم لا أبالي؟ غرقت في تسائلتها ليلتها، ثم توالت الأيام برتابتها والسؤال بلا إجابة و(خالد) صامت، ملت من جلوسها بلا حركة، فبدأت تستكشف البيت وتنظفه لتسلي وقتها وتمارس هوايتها القديمة في تزين ما حاولها، إمتلكت أخيراً وقت فراغ، ومرة من مرات التنظيف وجدت الكرسي تحت أريكة قديمة، فأخرجته ونظفته وأدخلته على ( خالد )، نظر له ثم أشاح بوجهه، كادت تيأس ولكن حدثت حادثة ستغير كل شئ، أرسل المرافق الآخر رسالة وأعتذر عن القدوم الليلة وسيأتي صباحاً، إتصلت بالعم وتسائلت ما العمل؟ أأتركه لمصيره؟ وسيبقى بلا نظافة من الأخبثين؟ والعم ببروده المعهود “إنزلي وخلاص” صمتت قليلاً وأُغلقت السماعة من الطرف الآخر، لم تفكر قليلاً إتصلت بعمتها وأخبرتها أنها ستبيت الليلة في العمل , لم تقلق العمة فلقد تكرر مبيتها خارجاً مع العجائز، إقتربت من (خالد) وقالت “أنا ممرضة وعارفة أنا بعمل إيه، ومفيش مهرب” حاولت ملطافته لتهدئة الاجواء، بدأت تكشف ملابسه لتنظفه، رأت أثار إهمال، إلتهابات وتقرحات، قامت بعملها كما ينبغي، ثم بحثت في دولابه عن شئ ليلبسه، شئ جميل، كلها ملابس قديمة وكئيبة، لكن وجدت شئ لطيف معلق خلف أحد الأرفف كأنما نسي أحد أخذه، بدا وأن كل شئ جميل نهب وسقط هذا من اللص، قميص أزرق سماواي، ألبسته له ثم بدأت تنظف لحيته وتهندم شعره، وهي تضبط رأسه على الوسادة إلتقت العينان فتبسمت (مها)، أصاب قلبه شيئاً لكنه لم يخترق فولاذ بؤسه، وكأن معدن إرتطم بمعدن وأصدر صوتا حاداً ذكر (خالد) بشئ مفقود، ثم جلست لتسترح، مضت دقائق وبادرت “تحب تاكل إيه”، “زبادي” بنبرة خالية من الذوق وآمرة، تكلم (خالد) أخيراً، حماسة (مها) غطت على وقاحته فمريضها ما زال حياً، بدأت تطعمه وهو مستلقي فسعل، بدأت تبحث حولها عن شئ لترفع رأسه، وجدت وسادة أخرى، إقتربت منه لتضع الوسادة لترفعه قليلاً، إقترب وجهها من أعلى رأسه، إقتربت لدرجة قاربت التلامس، لم تقترب حتى خطيبته هذا القرب، شم ربيعها وهي لا تضع عطراً، تكرر صوت الطرق على قلبه، وأخذت تطعمه وهو يختطف بعض النظرات لوجهها، جاء وقت النوم جلست على كرسي بحيث يمكنه روؤيتها، لم ترد النوم ولكن سلطان التعب قاهر، غلبها النعاس مطمئنة، وإنسابت “طرحتها النبيتي” من على رأسها لتظهر خصلات جديدة غير خصلاتها المتمردة، أنامت آمنة لعجزه أم لسلام كامن دخله؟ لم ينم ليلتها وأخذ ينظر لها طوال الليل.
الأيام التالية شئ داخله بدأ ينتظرها، وأصبح سره الصغير أن يُبقي مرمى بصره تجاه باب غرفته طوال اليوم منتظراً شروق وجهها الساكن على رتابه غرفته المقفرة، بلا أمل بلا حياة، قابض الأرواح يجلس هنا في زاوية، عندما تدخل يغترف نظرة من ينبوع وجهها اليانع ثم يغير إتجاه بصره، كان إرتواؤه الوحيد خلال لحظاته الجافة، لم يعد يعاندها ككل مرة ويتناول ما تقدمه له من طعام، وكل يوم يذوب الثلج أكثر وينفتح القيد شيئاً فشيئاً، أخيراً بدأ يطلب الطعام، ويوماً سألها أتستطيع الطبخ، فطعامه بقايا من بيت عمه وأصناف لطالما كرهها، وبدأ يشتهي تناول أطعمته المفضلة، لكن لسوء حظه (مها) تجيد طبخ بعض الأصناف، مرة شعر بحكة في لحيته فطلب منها أن تحكها له، علمت من نظراته رغبته في حلقها، حينها شرعت (مها) في القرائة عن حالته وسؤال الأطباء في العمل، وبدأت تتعلم الطبخ من محادثتها القصيرة مع عمتها، كانت العمة تتعجب “مش عوايدك الاسئلة ديه” كانت (مها) تضحك “شكلك مش طايقة (حسام) وعاوزة تجوعيه” قابلت حسام مرة ورأت شعره طال، طلبت تجربة الحلاقة له فنظر لها بوجه مندهش ومضحك تمالكت نفسها، إستطردت قائلاً “غريبة من إمتى” لم يفكر بشك فلطالما أرادها سعيدة، كان نبيل النفس، وأخيراً تعلمت
بدأت تفاجئ (خالد) بوجباته المفضلة، ومرة أو مرتان كان يفكر في الوجبة يفاجئ أنها حضرتها وكأن روحيهما توافقت، أرادت حلق لحيته وكالعالدة لم تجد ماكينة حلاقة، العم “شالها عنده، ما هو مش عاوز يحلق” وقفت ويديها في وسطها، والعمل؟ قالت في نفسها لم لا، لأشتري واحدة، لكل واحد منهما،تقصد (حسام) و(خالد) طلبتها اليكترونياً على منزل (خالد) تعجب وهي تمسكها بملامح مرحة على وجهها، لامست شفرات الماكينة خصلات لحيته الحزينة، وكأن شئ بدأ يُزال من نفسه رويداً رويداً , إنتهى الأمر والمرآة تقابل وجهه، عجباً فلم يرى نفسه منذ زمن طويل، هربت دمعة ولحقتها أخريات لم تكن (مها) منتبهة كانت تفتح تلك النافذة المسدودة فتحت بصعوبة كأنما تتكسر، أو روحاً قديمة تفتحها بقوة، دخلت نسمة قوية لتأذن لسدوده جميعها لتنهدم، بل تفجرت كألعاب نارية، وإنطلقت سيول دمعه، تهدر، غضوبة مزمجرة، تدمر كل شئ أذاه وتنزع شوكاً بنفسه، غاسلة ذكرياته الأليمة بعنف، بكي وبكي بكائاً له أنيناً، تنبهت ورأت حطاماً له روح، عجزت عن التصرف ولكنها إقتربت إنشاً إنشاً ببطئ، مدت يديها لوجنتيه الندية بدمعه، وأخذت تمسح دموعه بيديها، وتنظر له ببسمة حزينة وعينان مغرورقتان، وقف عصفوران صغيران على النافذة ينظران لهما، كأنما أبواه الراحلان يتابعانه.
بعدها أصبح يجلس على كرسيه المتحرك، ويقضي يومه عليه و(مها) تحركه من غرفته للصالة الصغيرة، طلب (خالد) من عمه تغير المرافق الآخر، وافق العم على مضض فهو جليس مزعج على كل حال، إقترحت (مها) مجيئ (سعاد) فقد تركت المستشفى، زميلتها المنتقبة، أنسيتم، سريعاً إقتحمت عالمه بمزحاتها معه ومعها، وكانت تكشف وجهها أمامه فهو ليس كالآخرين سيعيرها وقد كانت تعرفه من حديثها مع (مها) تلونت أيامه بلون خافت، (سعاد) كانت قوية ومر وقتاً لتتجرأ على إخراجه للشارع بعد سجن أعوام، أخيراً ولد من جديد، رحبت به السماء ولاطفته النسمات، وكأن خرج له جناحان، كانت أيامه اللاحقة لطيفة، بدأ يكلم أصدقائه بعضهم أطيب من غيره، أحدهم أخذه لمكان مفتوح، رجع لهواية القرائة بمساعدة (مها) ويكتب ليلاً بخط (سعاد) بعض الأشعار الرقيقة عن زهرة ما نبتت بالجليد، ملاك يحطم الجدران، كانت سره الصغير الذي فهمته (سعاد)، مرة طلب من (مها) مرافقته في إحدى نزهه مع أصدقائه بحجة أنها تعرف التعامل مع وضعه الصحي، فكرت لهنيهة لكنها إعتبرته عملاً وخيراً، فرافقته، لم تلاحظ غير وهي في الحديقة أنها لم تتنزه من وقت طويل، جلست ونسيت كل شئ وأخذت تتأمل الأفق بوجه هادئ لتحاول “الطرحة النبيتي” الإنسلال من على رأسها، تكرر تنزههما وضحكاتهما وكلامهما، مرة سينما ومرة مسرح، بدأت هي أيضاً تتذوق الحياة، لم يتأخر الأمر فالقدر يجمع المحبين دوماً، وقعت في يد (مها) دفتر (خالد) وهي تنظف، سقط أمامها مفتوحاً على الأرض.
–
ملاكي متى تأتين لأخذي من أراضيهم المقفرة .. من وسط حروبهم فليست حربي المدمرة
نزاعهم الغضب ونهب الضعفاء المتعبة .. أصابتني في كل جسدي رصاصتهم القاتلة
دمدمي الأرضي من حولي محطمة قيودي المؤسفة .. ضميني وسط المعركة فلكي ترنيمتي العاجلة
ضميني جيداً لعل ذراعيك تضمد جراحي
–
وتحي قلبا كاد يخلوا من الحب ..
لعله يخفق مجدداً .. بدقات قلبك الحاني
–
قد تعيد قبلاتك الهواء لصدراً ..
خنقه البؤس القاسي .. وشبح الزمن الماضي
إقتربي أكثر
–
لعل شذا رائحتك يذهب ريح الموت الفاني .. فلطالما علقت بأيامي
لفيني بيديك وكوني لي درعاً .. من سهام الزمن الغداري
–
إصمت قليلاً
أنت نصف روحي ومعنىً لإيماني .. قاطعها إن كنت هكذا فأنت كل جسدي
وقلبي ونفسي وكل كياني .. أنت أنا .. وقاطعته وأنا أنت وحياتي
–
إحضنيني بقوة
فلا تتسلل روحي من بين أصابعك .. وأبقى زمننا مديداً بعد نضالي
إبقي بظهري دوماً قد إنكسر لأعواما .. لا تتكلم سأكن لك سيفاً
ينحر أعدائك وأعدائي
–
إهدأ لا تخف
سأواجه لأجلك شياطين الأرض .. وأبدد ظلام السماواتي
قالوا أنى لجريح أن يحب ؟ .. ولما لا فله قلباً قاومكم زمنناً كالفرساني
–
سكن طويلاً
نادته مراراً وتكراراً فلا إجابة .. بكيت وإنتحبت وحسبته غادر للجناني
قال أصمتي لا تكون كثيرة الإلحاحي ..
ضحكت والدموع ممتزجة بوجهها الحالي
حسبتك رحلت لأوطانك .. كيف أرحل وقد وجدت دياري
وإذا بها تهبط دمعاتها على كلماته لتمتزج معاً، تماسكت حتى أنهت العمل وعادت لغرفتها، لتبكي على شرور عالمنا وظلم بني آدم وقبحهم , لتأن على المعذبين في الأرض، المحطمين، المذنبون بلا ذنب، التائهون، الحبيسة أرواحهم، نامت على نشيج النجوم فلقد شاركتها حزنها، جاء صباح مختلف، نظرت قليلاً للساعة وقررت أن تأخذ أجازة، لتختلي بروحها، لاحظت عمتها غرق عينها في محيط من أفكار، وصمتها الطويل، أرات (مها) التحقق من مشاعرها، فجائت المسائلة من الأيام، ذهبت لبيت (خالد) كالمعتاد، لكن وجدته يهم بالصعود لسيارة و(سعاد) تعاونه، أصيب بإلتهاب رئوي لم يلاحظ أحد بداياته ولابد من عدة أيام بالمستشفى، تحسباً، لم تقلق كثيراً ورافقته حتى المستشفى، لم يسمحا لها بالداخل، وعادت لبيتها لغرقها بالتفكير، خلال مكوثه لعدة أيام، تُفكر وتتصفح مشاعرها، شعرت بفراغ وإنطفاءاً، كان قد خف بالأيام السابقة، هاتفها (حسام) ليتقابلا في مكان ما، عندما رأته فهمت وجود سلاماً يملأ صدرها كلما صحبته، كان كالأخ فمشاعرهم بطعم رقيق، أرادت الإعتراف له بكل شئ، لكن أرادت التيقن، خرج (خالد) بصحة جيدة، منتظرة إياه على باب المستشفى، وعادت الأمور كما هي قبل مرضه القريب، انتظرت عدة أيام، ثم قررت البوح، نزلت على ركبتيها ومسكت مقدمة كرسيه المتحرك، وحدقت في عينيه، ليتبادلا حديثاً دامعاً
– رأيتك روحاً تائهة ولكنك أنجدتني
– بل أنت من أنجدني، أحييتني من جديد
– بل كانت روحي كسيرة رغم صحة جسدي
– كنت مناضلة وكنت إنتحارياً
– إكتشفت طريقي وأنا أضيئ طريقك، كان دربي بمحاذاة دربك، فلما أضاء ظهرت وجهتي، أنت، لنتزوج ونعش معاً
– لا أريد لك صعاب مسيري في عالمي القاسي، جهداً وبلاءاً، سهراً وشقاءاً، وكيف سأراك وأنا دمية بين يديك
– تراني أنت، حركاتك حركاتي، سكناتك سكناتي، جحيمك جحيمي، لنقتحمه معاً
– قد أغار لو ضاحكتي أحدهم، بجسده القوي وأنا الشقي
– الغيرة لضعفاء الروح، أنت سماوي بعقلك النوراني، روحي تحلق فيك
– سيعارضون ويهزأون، مجنون عاجز يريد الحياة؟
– لنناضل معاً ونخوض حربنا، فلا حياة لليائسين، ولنكتشف الأمر معاً
الأرضي داخله يخاف، وروحه تنازعه، هز رأسه بالموافقة والقلب ينبض من قادم الأيام، أأننجح؟
هاتفته (مها) تطلب لقائه، إنتظرته على سلم الميترو، صعد (حسام) السلم بتثاقل وحيرة من مشاعره، لكن عندما رأي (مها) مشرقة كما لم يعتادها، بهية ونضرة، كفراشة خرجت من شرنقتها، نسي حيرته وتوتره فلا يهم شئ، أخيراً تفتحت فتاتنه، وقفا ينظران لبعضهما طويلا ببسمات خلابة، ثم وضعت يدها على صدره وإنسابت دموعها بسلاسة ولم تفقد بسمتها، أرادت التحدث، وضع إصبعه على فمها لتصمت، ثم وضع كلتا يديه على وجنتيها وأخذ يمسح دموعها وهي تقبل يده، علم بوجود رجل، فلا يحي قلب الإنثى غير الرجل ولا يحي قلب الرجل غير الإنثى، فهمت أنه عرف السر، زادت دموعها فلم تجد نفسها إلا وقد وبادرت بإحتضانه بسرعة خاطفة وسقطت “الطرحة النبيتي” عن رأسها وأخذت تبكي بشدة على صدره، تفاجئ للحظة ولكن ما لبث أن لفها بذراعيها وضمها بشدة، وبكى بهدوء وأراد البقاء هكذا للأبد ولم يخشى أحد، تكشفت حقيقة مشاعره لم يراها غير طفلته ولم يتخيلها زوجة يوماً، أراد لها السعادة ولو مع غيره، أبعدها بهدوء وهي تقاوم “يلا روحي تستاهلى الفرح” إبتعدت بصعوبة وبقيت ممسكة بيده وهي تبتعد، ثم تركت أطراف أصابعه وقبل أن تنزل السلم نادها “الطرحة النبيتي” فلم يلحظا سقوطها، عادت وحملتها بين يديها وأخذت تشمها وتضعها على وجهها، تذكرت كل شئ نزلت بعض الدمعات الخفيفة، ثم إقتربت من (حسام) ولفتها على رقبته، مسكها ونظر للطرحة ثم لـ(مها) وهما يبتسمان وكأن هناك مزحة تريد الخروج “ديه أخرتها تلبسيني الطرحة” فإنفجرا في الضحك أخيراً معاً بعد سنين الصمت، وضعت يدها على ذقنه ونظرت له ببرائة وحب أبيض، “حاجة نفسي أقولهالك من زمان، بحبك” كانت الشمس تغرب عليهما لتعلن إنتهاء رحلتهما، إبتعدت وتمشت بخفة ونزلت السلم وإختفت عن نظره، أخذ يشم “الطرحة النبيتي” ويتمسح بها ثم فجأة تذكر شيئاً ركض ناحية سور الكوبري ورآها لم تبتعد كثيراً فنادى بصوت عالي “عيشي، خليكي حرة،بحبــــــك ” سمعتها وأسرعت الخطى وبتردد فكت شعرها وأطلقته وتخللت خصلاته نسمات رقيقة , نسيت شعور إحتضان الهوء لرأسها لتحجبها قبل السن وكانت الشمس الغاربة الأنيقة ترافق خطواتها الخفيفة , وتمشت تجاه أفق حريتها لتكتشف , سر الحب والجمال , خالق كل شئ , السلام , بمناجاتها القلبية تصلي له , أن يرشدها ويسامحها ويتقبل خدوشها النفسية ويلئم جراحها لتجد فردوسها الأبدي , قبل اللقاء المحتوم
أنا الطرحة النبيتي , لوثتموني بعادتكم القميئة , جعلتموني لعنة على بتلاتكم الصغيرة , كنت قيداً في أيدكم تخنق أرواح فتياتكم المزهرة , وأنا كنت رمزاً للسلام , أتوج رؤوس العذارى , لمريم القديسة لفاطمة المطهرة , لبسنني نساء الرب بكل لون وشكل , دعوا بناتكم يصلن لمحبة الله بتجربتهن , أضيئوا لهن شموع الطريق لشاطئ الحياة وأدفعوا القارب بسكون , أملين أن يصلن فهن عاقلات ذوات إرادة
ليست دعوة لمعادة الطرحة كانت وستكون زي مقدس , لكن أقحم فيها غضب وكبت ولعنات , وصارت قيداً جبرياً لكل الفراشات , صارت رمزاً لسواد خيم شوارعنا وراية لتنمر وإسائات , صارت مساوية لشرف الإنثى وإرتدينه ذوات اللاشرف , هل الشرف زي ومظهر أم قلوباً مصقلة بالطهر , بطرحتنا سلبتم براءات الطفولة مبكراً , تحرمن طفلاتنا من أعمارهن , يكبر ظاهرهن وتبقى الطفلة حية بداخل كل واحدة تنتظر لحظة كسر القيد , ثم تعلق المشانق إن أرادت عيش ما لم تعشه ؟ , تستعد طفولاً مفقودة ؟ , لو ثم إثم هنا فهو إثمكم , صنعتم منافقين بلا روح مؤمنة , ثم تقولون فاجرة ؟ , كفى صراعاً نخبوياً حول الطرحة من الدين أو لا , ما علاقة ذاك بأبنائنا الصغار ؟ من الدين أو لا فلعنتنا الإجبار وتدنيس الإنسان بغضب المجتمع
طرحة نبيتي قالوا الشرف .. بيضا ملونة أهو كله قماش
النور في القلب يشع إيمان .. طهروا القلوب ينصلح الحال
الرب في الأعالي وحده يحاسب .. بعين رحيمة وستر هناك
كله في الميزان موزون .. بالشعرة كله محسوب
ذنب واحد وعشر حسنات .. ولا ذنوب كتير وصح وحيد ؟
تحط إيمان تحط جنان .. حتشربه الطرحة ما هو كله قماش
–
كانت القاعة مظلمة ووقف يحي الجمهور , بوشاحه النبيتي أجل هي الطرحة النبيتي , ظهرت في حلة جديدة , حقق ( حسام ) حلمه ليصبح موسيقاراً , عزف معزوفته الخالدة تجربة حياته , جعلها موسيقى آسرة , هو متزوج الآن وله طفلة سماها ( مها ) , أنهى معزوفته وإنحنى للجمهور , ورغم ظلام القاعة وكأنه لمح وجهها ولكن لم يجدها , شعر بحضورها الطاغي , تمنى أن تكون إنتصرت , لن ينساها فذكراها معه ” الطرحة النبيتي “
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد