طريقي من الجامعة للجامع

d8a3d8b3d985d8a7d8a1-d8b2d983d98a طريقي من الجامعة للجامع
أسماء زكي

أول حاجة فاكراها عن الحجاب إني ما كنتش بحبه وأنا صغيرة…ماما كانت محجبة لما أنا دخلت الحضانة في أوائل الثمانينات في وقت ما كانش لسة الحجاب انتشر اوي فيه بس كان منتشر في عيلتنا،ما كنتش بحبه كنت باغير من أصحابي اللي أمهاتهم مش محجبة وأنا صغيرة ماعرفش ليه مع إني كنت طفلة عندي ٥ أو ٦ سنين بس كنت شايفة الست من غير حجاب شيك أوي وشكلها أحلى وكنت أتفرج على ألبوم صور عيلة ماما ألاقيهم كلهم ماكانوش محجبات وأستغرب اوي معقولة دي طنط “رقية” ودي طنط “سامية” وطنط “تهاني” وطنط “تحية” …وكتير وطبعا ماما معاهم، كلهم لابسين الفساتين الكات والمنفوشة بتاعة الستينات ولحد أواخر السبعينات لابسين على الموضة عادي، وأتحسر أوي ليه دلوقتي كلهم لابسين “خمار” وواسع وفي منهم كمان منقبات ماعدا ماما وواحدة تانية هما اللي كانوا لابسين طرحة عادية ولبس عادي، عارفة إني ما كنتش عايزة أتحجب وأنا صغيرة.

كنت متحفظة أوي في لبسي لأن ده كان الوضع في البيت ما نلبسش فوق الركبة أو مفتوح وما نلبسش مايوهات طبعا، كنت حاسة إني متقيدة في اللبس وسط أصحابي لأنهم كلهم بيلبسوا براحتهم، لحد ما دخلت الجامعة وكانت فترة جميلة أوي بدأت أحس فيها إني كبرت…

طول فترة إعدادي وثانوي كان شكلي فيها طفلة ودايمًا كانت الناس تفتكرني في ابتدائي أو بالكتير أولى اعدادي لأني قصيرة ورفيعة، فترة الجامعة بدأت أحط ميك اب وألبس مع أختي اللي أكبر مني على طول فبدأ يبان عليا الحمدلله إني بنت صحيح مش شكل طالبة في الجامعة بس المهم إني مابقيتش طفلة في ابتدائي.

كنت آداب إنجليزي وتقريبا كل الدفعة ما كانش فيها غير كام واحدة يتعدوا على الصوابع اللي محجبات وأصحابي القريبين مني وقت الجامعة كانوا بمفهومي وقتها متحررين وأهاليهم ناس open minded بيسيبوهم يلبسوا براحتهم وليهم أصدقاؤهم الأولاد وبيخرجوا بنات وأولاد عادي في جروبات ومافيش مشاكل.

في سنة رابعة أعز صاحباتي “نور” ولأنها كانت سورية أهلها قرروا يرجعوا سوريا، حصل كده قبل الدراسة بأسبوعين مثلًا، دخلت سنة رابعة دي وأنا مكتئبة جدًا وحاسة بوحدة رهيبة.
إحنا كنا حرفيًا توأم ملتصق ساكنين جنب بعض، بنروح سوا ونرجع سوا…
حتى لما هي حولت من قسم انجليزي لقسم تاني فضلنا بردو على نفس جدولنا اللي حطيناه لنفسنا.
فجأة أنا في آخر سنة ولوحدي وصاحبتنا التالتة “نهى” أصلا كانت في كلية بنات مش معانا في آداب، كان فاضل صاحبة ليا معايا في القسم بس دي بقى كانت مكبرة دماغها وتقريبًا ما بتجيش، عندها على طول مشكلة إن مامتها عايزة تجوزها واحد قريبهم وهي مرتبطة بواحد تاني، قعدنا في الحكاية دي سنين.
المهم أإنا لوحدي ومكتئبة وفجأة “نهى” قالت لي إنها هاتتحجب!! نهى كانت آخر حد ممكن أتخيل إنها هتتحجب مش لحاجة غير إن أهلها مقارنة بماما عمرهم ما قالوا لها لأ اللبس ده قصير او مفتوح أو قالوا لها لأ ما تكلميش ولاد…كانوا عاديين جدًا متقبلين فكرة إن ده سن طبيعي يلبسوا ويخرجوا براحتهم مادام مافيش حاجة غلط بتحصل.
فجأة نهى قررت إنها تقيد نفسها وتلبس حجاب، تغطي شعرها الأشقر وتلبس بكم وطويل وتضحي بالمايوه والبحر ولبس المصايف… الخ، كل ده هي قررت توقفه بمزاجها.
فكرت طب إذا كانت نهى عملت كده وقدرت تعمل كده ليه أنا كمان ماعملش زيها وهي قعدت تقنعني كتير…نسيت أقول كمان إن دي كانت فترة دروس الدين للسيدات في البيوت…
وهي كانت بدأت تحضر مع مامتها… نهى كان تعليمها فرنساوي وبتدرس في قسم فرنساوي في كلية بنات…واللي بتدي الدروس دي كانت واحدة دكتورة في الجامعة عندها… يعني الحجاب في نظري بدأ ياخد شكل مختلف.. مابقاش نقيض الشياكة والجمال زي ما كنت بافكر وأنا طفلة…لأ مافيش تعارض بينه وبين الشياكة والثقافة، وقلت لماما إني بافكر أتحجب…
طبعا طارت من الفرحة ده أنا أصغر بناتها وهاتحجب كمان قبل إخواتي الكبار…ماكانش فيه غير أخت واحدة محجبة والاتنين التانيين مش محجبات وأنا بقى جاية أقولها كده…الست اتبسطت اوي خصوصًا إن معظم بنات خالاتي وعماتي اللي عايشين في البلد اتحجبوا.
وقعدت نهى فترة تقنعني بالحجاب…وماما مبسوطة وجت أجازة نص السنة وكنا في رمضان 97 في سنة رابعة ولبسته. كنت أول واحدة في شلة أصحاب المدرسة تلبسه وتاني إخواتي، ماما كانت سعيدة جدًا وإخواتي شجعوني وجوز أختي اشترى لي أول طرحتين هدية.

2-
بعد ما تحجبت قعدت مترددة كتير..
وحاسة إني تسرعت.
لما رجعت الجامعة بعد الأجازة قابلت زمايلي وفي منهم اللي هنوني وفي اللي استنكروا اللي عملته…فاكرة واحد ماكانش صاحبي أوي قالي إيه لازمته مادام لابسة بنطلون وبنت تانية معرفهاش أصلا كنت لسة باشوفها لأول مرة قالت لي الحجاب لايق عليكي أوي!.

طبعا اتبسطت جدًا وقلت دي علامة إني صح ده بقى غير الأحلام اللي استلمتني شوية وكنت دايمًا اشوف إن ليها معنى وأحاول ألزقه في الحجاب عشان أقول لنفسي “إنتي صح يا غادة”.
دخل الصيف واكتشفت إن مافيش حاجة في المحلات تناسب بنت محجبة عندها ٢٠ سنة…كانت فترة متعبة جدًا اللبس الموجود يناسب ستات كبيرة بالنسبة لي وقتها ستات كبيرة كانوا أصغر مني دلوقتي أصلًا، الزمن بقى.


المهم قعدت في المرحلة دي كتير وخصوصا لما تيجي أفراح أصحابي…كانت بتبقى هم…ألبس إيه يبقى شيك وفي نفس الوقت مناسب للحجاب…وطبعا لما أتعب وأتضايق أفتكر “الثواب على قدر المشقة” واصبر.

كانت مقسمة الدروس أسبوع سيرة واسبوع شرح الأربعين النووية. الحاجة شيرين كانت ليها كاريزما…كانت درست طب وما كملتش واتجهت لسياسة واقتصاد تقريبًا حسب مانا فاكرة وكانت من عيلة معروفة أعتقد حفيدة عبدالحميد جودة السحار وجوزها كان جراح مخ واعصاب مشهور جدًا، كان كشفه وقتها مئات الجنيهات في دقايق معدودة زي اللي راحوا له ما قالوا…يعني باختصار الداعية الزاهدة اللي الدنيا جت لها لحد عندها عشان هي زاهدة، كنت بحبها جدًا…وأزعل أوي لما حد ينتقدها أو يقلل من علمها أو إن ليها أجندات…أو دي إخوان لأ دي سلفية لأ دي صوفية…إلخ.


المسجد كان بيبقى زحمة جدًا وشهرتها زادت وفجأة إدارة النادي قررت إنها ما تديش دروس تاني هناك واتقال مؤامرة على الدين طبعا واتقال حاجات كتير بس الدروس اتنقلت لمسجد يوسف الصحابي في ميدان الحجاز وبقى كل يوم اتنين ميدان الحجاز زحمة جدًا بدون مبالغة كأن مصر الجديدة كلها هناك، وشوية ومسكت مسجد الصديق في شيراتون وأسسته وعملت الأنشطة بتاعتها، وفي فترة حصل هجوم عليها من روز اليوسف والدرس اتوقف وطبعًا مش محتاجة كلام ده مؤامرة على الدين أكيد، وقالوا أصلها بتشتغل من غير تصريح وبعدين رجعت تاني وقالوا يااااه سبحان الله التصريح ده المفروض ياخد أسابيع بس ربنا سهلها لها وأخدته في يوم طبعًا عشان ربنا نصرها عليهم.


لما بافتكر دلوقتي التقرير بتاع روزاليوسف عنها والنقد اللي وجههوا لها باحس أد إيه الناس دي كانت تافهة وسطحية وكأنهم قاصدين يزودوا شعبيتها هي أو أي حد من الدعاة اللي اتشهروا وقتها، يعني هي كانت بتعمل آخر الدرس فقرة أسئلة وأجوبة أي حد عنده سؤال ممنوع يسأل أثناء الدرس لأن ده مش من آداب المجلس ولكن يكتبه ويخليه للآخر وهي هترد عليه…الصحفية بتاعة روزاليوسف اللي كانت حاضرة اختارت كام سؤال من اللي اتسألوا وإجابة الحاجة شيرين عليها وعملت عليهم حوار…مش قادرة أفتكر الأسئلة أوي بس فاكرة إنها كانت حاجة هبلة وهما أصلًا اقتطعوها من سياقها وعملوا منها حكاية كبيرة…شهرت الست أكتر وزودت شعبيتها ولما رجعت للدروس تاني لغت فقرة الأسئلة والأجوبة.


الحاجة شيرين كانت بتشتغل شغل منظم جدًا، ليها نوعين من الدروس، دروس العامة ودي اللي كنت بحضرها ودروس الخاصة ودي كانت بتبقى للناس اللي يقع عليهم الاختيار وأنا كنت بتمنى كتير أبقى منهم بس ماحصلش…كان في أوقات كنت باعيط أنا ليه مش من الناس دي…يبقى أنا أكيد ربنا مش راضي عليا، مجموعاتها كانت بتكبر كل فترة وكلهم شبه بعض…نفس العبايات تقريبًا بنفس الطرحة واللفة بتاعتها ونفس المستوى الاجتماعي، حاجة لما الواحد يشوفها يقول الله ربنا راضي عنهم فعلًا.. دين ودنيا مع بعض.

تقريبا من اللي عاصرته بنفسي هي اللي أسست نشاط الأطفال في الصيف سواء لما كانت في نادي الشمس أو لما راحت يوسف الصحابي وعملت مقرأة للقرآن، وعملت أنشطة تشجع فيها الستات يطبخوا ويعملوا مشغولات ويعرضوها في الجامع في أيام محددة وده اللي تطور بعد كده وبقى “الزهراوان” المشهور….والأنشطة كلها كانت ناجحة جدًا وبتكبر لحد ما وصلت النهاردة لمدرسة إنترناشيونال بتعمل فيها بردو حفلات للبنات اللي بيتحجبوا تشجيعًا لهم والآخرين يعملوا زيهم. بس طبعا كله بإرادتهم واختيارهم.
الفترة دي استمرت معايا كتير يمكن ٧ سنين مثلًا…كانت الناس بتتحجب أكتر وتلبس واسع أكتر، كنت وقتها باشتغل في حضانة للأطفال في مصر الجديدة جنب ميدان الحجاز بردو وكان كتير من أولياء أمور الأطفال من الناس اللي بيحضروا الدروس دي…وكتير جدًا منهم ما كانوش محجبات ولا حتى جدات الأطفال كانوا محجبات بس تحجبوا واحدة ورا التانية وبقيت أقول بيني وبين نفسي يعني معقولة الناس دي كلها بتتحجب وأنا كان نفسي أقلعه زمان.

وأقول إني حتى لو كنت قلعته زي ما كنت عايزة زمان أكيد كنت هالبسه تاني…ده كل الناس لبسته…مش قادرة أقول إني تقبَّلت حجابي أوي وحبيته بس أنا كنت بابني عليه عشان أزود قربي من ربنا…يعني بدأت في حفظ القرآن وتعلم التجويد طبعًا ودخلت مسابقات وكسبت في أول وتاني مسابقة…كسبت مرة كتاب “الرحيق المختوم”..ماقدرتش ألبس عبايات بس قللت شوية من لبس البنطلونات وبعدين ماقدرتش رجعت لها تاني…واظبت على صلاة الجمعة في المسجد فترة طويلة…صليت السنن وبدأت أصلي الفجر وأنا اللي أقنعت ماما تصحى تصليه ودلوقتي لازم كل شوية تفكرني بالحكاية دي وتقولي “صحيح الإيمان يزيد وينقص” وتحسسني إني كفرت.
كنت باعمل حاجات كتير جدًا عايزة أتقرب بيها من ربنا وفي نفس الوقت عندي أفكار وحشة جدا عرفت بعد كده إنها كانت نوع من أنواع الوسواس القهري…كانت الأفكار تزيد وأنا أتعب أكتر ماعرفش أنا المفروض أعمل إيه بالظبط عشان أنتصر عليها لأنها أفكار شيطانية طبعا، كنت مشوشة أوي في حاجات كتير بس مايبانش عليا…كنت باحضر الماسترز وقتها في الأدب المقارن وكنت مختارة أعمال أهداف سويف وكاتبة مصرية تانية عايشة برة طول عمرها اسمها “ليلى أحمد” ليها كتاب مشهور جدا في الأكاديميا الغربية عن الحجاب لأنه كان من الكتب المهمة اللي صاحبتها باحثة وعربية ومسلمة اسمه المترجم “المرأة والنوع في الاسلام” كنت خايفة طول الوقت يكون قرايتي دي نفسها حرام…أهداف سويف من أوائل الكاتبات اللي استخدمت مفهوم ال “sexual politics” في أعمالها وطبعا في مشاهد جنسية وإباحية بالتفصيل…والتانية بتقول إن الحجاب مش فرض وإن العبادات اللي قايم عليها الدين كلها مجرد طقوس شكلية وإن الدين أساسه الرحمة والحب.. وشايفة إن السبب في انتشار الشكل ده من التدين من مئات السنين هو سيطرة “الذكر” على الخطاب الديني…من جوايا مقتنعة بكلامها أوي وحاساه قريب لعقلي بس خايفة أقبله…خايفة أقع في الغلط والحرام…وصلت لدرجة إني خايفة يكون الماسترز ده حرام وفتنة.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات