عندما خذلته الحياة.. قصة قصيرة..بقلم أنسام النجار
القصة الحائزة على المركز الثاني في شهر يونيو 2023 بنادي أدب تفكير
بقلم: أنسام النجار

لقد وجد نفسه داخل ذلك البيت الكبير الذى لم يكن بيته.أعطوه إسما لايشبه ملامح وجهه، كان إسمه”باسم”،لم يعرف أبدا معنى السعادة.
كانت معلمته تسأله ” ليه مش بتضحك يا باسم؟” كان يجيب ببراءة لا مثيل لها” مش عارف” ثم يخفض عينيه إلى الأرض.
طفل فى السادسة من عمرى قمحى البشرة،دقيق الملامح،له عيون سوداء واسعة،تغطيها رموش كثيفة وبقايا من تردد.
أخبروه أن هؤلاء الأطفال جميعا إخوته ،أخوة جمعهم ماض مجهول ،ومستقبل يملؤه الخوف يكاد يكون مجهولا.
قالوا له أيضا أن هذا البيت الواسع قد منحته لهم إمراة لم ترزق بأطفال قط وخصصته للأيتام الذين تخلى عنهم أهلهم.
كانت كلمة “شكرا” أقصى كلمة يتمتم بها هامسا كلما منحه أى شخص أى شىء، كان يمد يده وعيناه فى الأرض كأنما لا يريد هذا الشىء ولكن عليه أن يمد يده ويأخذه ثم يتمتم “شكرا”.
كان يعطى الالعاب التى يأخذها إلى إخوته فى الدار، ثم يجلس باسم بعيدا يراقبهم وهم يضحكون.
يوم الجمعه حيث يأتى هؤلاء الطيبون الذين يريدون أن يضموا طفلا إلى أسرهم ويحتضنوه. اليوم الذى يقف “باسم” أمام المرآة يضبط ملابسه البسيطة ويرفع وجهه محاولآ أن يتصنع الإبتسام. لقد سألته أحد المعلمات أو كما يطلقون عليها “ماما”، “أنت بتعمل إيه يا باسم؟” ، رد عليها وقد نظر بعيدآ ” بحاول أخليهم يحبونى، مش أنا لو عرفت أضحك ممكن يحبونى؟”.
هل لاحظ أحد قطرات دمعه التى تنساب على وجنتيه وهو يبتسم للسيدات وهن يتفحصن ملامح الأطفال ويبحثن عن أبنائهن المفقودين؟ . أو حتى عندما يأخذه الحماس وقد وجد سيدة قد قررت أن تحتضنه فيرد زوجها” خلينا نشوف بنت أو ولد لسة بيبى عشان الحرمانية”.
هل إستمع أحد ليلا إلى نحيبه وهو يحاول أن يغلق فمه عندما عاقبت أحد العاملات أخيه الذى تبول على نفسه أثناء نومه بأن جعلته يستحم بالماء البارد؟.
هل هناك أحد قد سمع صوت دقات قلبه المرتعدة إذا ما إشتد صوت الرعد فى السماء؟.
هل كنت تجرؤ يا باسم أن تطلب بطانية إضافية وأنت تعلم أن المحسنين لم يتبرعوا هذا الشتاء للدار ببطاطين إضافية؟.
كان عليك يا صغيرى أن تكتم كل شىء فى داخلك ثم ترد بكلمة واحدة “شكرآ”.
تسلل يوما إلى مكتب مديرة الدار وسألها ” ماما سابتنى إزاى؟”
ردت السيدة الوقور المتدينة ” كانت ترتدى لونا أسود وتخفى وجهها وقد وضعتك أمام الباب وغادرت، لقد رصدتها كاميرات المراقبة”.
إنتحب باسم وتوسل إليها أن تجعله يرى الفيديو القصير لعله يلمح أى شىء منها.
ردت السيدة الوقور، ” لن ترى منها إلا السواد يا باسم ، حاولنا قبلك ولم نصل لشىء”.
أخفى باسم وجهه بكلتا يديه ثم غادر المكتب.
كان يجلس وحده هناك إلى جوار السور الحديدى حين تميل الشمس فى السماء تجاه مغربها يراقب الناس فى الشارع، وكلما مرت سيدة ترتدى الأسود كان يقف ويقترب بوجهه من السور كأنه يريد منها أن تتعرف عليه.
هل خذلت الحياة آحدا مثلما خذلت “باسم”؟ كانت تلك الكلمات التى نطقت بها مديرة الدار لأحد الأسر التى تراجعت عن إحتضانه بعدما أكتشفت السيدة التى قررت أحتضانه أنها “حامل”.
إقرأ أيضا لأنسام النجار: الحركه الوهابية ،هل تعد حركه سياسية أم دينية؟
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد