ما الجذور التاريخية لبعض التشريعات والعبادات في الإسلام؟… بقلم: آيه قطب (رحمها الله)

آيه قطب (رحمها الله)

أخصائية تحاليل طبية، ماجستير في الكيمياء الفيزيائية، مهتمة بالتجديد في الفكر الديني.

326516857_718942259951039_4119175793627024998_n ما الجذور التاريخية لبعض التشريعات والعبادات في الإسلام؟... بقلم: آيه قطب (رحمها الله)

دائما ما أسمع وأقرأ عن تميز الإسلام في شرائعه وعباداته عن بقية الأديان التي جاءت قبله، وأنه الرسالة الخاتمة للبشرية التي جاءت بصفوة التشريعات التي تخدم البشر وحتى طقوسه فهي شاملة لكل المعاني الروحية والإشارية الموجودة في الديانات الأخرى

كما أن هذه الطقوس ليست هباء فنجد من يتحدث عن الفوائد الطبية للصوم وحركات الصلاة ويربطها بالإعجاز الإلهي في أن طقوسه مفيدة على المستوى الروحي والمادي حتى أني سمعت من البعض أن اللغة العربية هي أفضل اللغات لأنها لغة القرآن رسالة الإسلام، بالرغم أن اللغة هي طريقة للتواصل بين طرفين فمن المنطقي أن يتواصل المرسل مع المرسل إليه باللغة التي يفهمها المرسل إليه وجاءت رسالة الإسلام بالعربية لأن النبي عربي ومبعوث لأمة عربية، فاللغة هي وعاء للرسالة وينطبق عليها ما ينطبق على اللغات الأخرى كما أن اللغة هي ابتكار بشري طريقة توصل إليها البشر ليتواصلوا سويا وليست تركيبات إلهية مُلهَمة للبشر.

وبالنسبة للتشريعات أحيانا يثار هذا السؤال في ذهني لماذا لم تأت هذه التشريعات وهذه الطقوس منذ بداية البشرية ويتم توارثها وتكرارها والتأكيد عليها من دين لدين طالما هي قمة التشريعات وأنها إلهية مطلقة وليست مرتبطة بأحوال البشر، فالبشر جميعا خلق الله ويستحقوا الأفضل منه منذ البداية؟

ولكن بالنسبة للتشريعات تكون الإجابة التي اسمعها أن الحلول لا تأتي مرة واحدة وإنما تأتي بالتدريج، كما سمعت من البعض أن كل أمة تختلف عن الأمة التي تليها في معاشها ووضعها النفسي والاجتماعي والجغرافي وكثير من الأمور الأخرى التي تستدعي تغيير هذا التشريع.

ولكن هذه الإجابة تستدعي سؤال آخر إذا فلم تشريعات الإسلام هي التشريعات النهائية للبشر ألم يحدث تطور اجتماعي مرة أخرى أم سيتوقف العالم عن التقدم؟

ودائما عندما أصل مع أحد لتلك النقطة يقولون أننا لو طبقنا الإسلام الصحيح ستكون هذه التشريعات مناسبة لنا ولكن العيب في المسلمين وليست في تشريعات الإسلام.

ولكن الأمور ليست بهذه السهولة، لأن تأويلات البشر تختلف والأمور كلها متشابكة وتطبيق حكم معين بتأويل معين قد يكون وراءه سلسلة من الأحكام الأخرى التي قد تكون غير مقصودة في النص الأصلي أو أن النص سكت عنها.

وعلى سبيل المثال هناك بعض الآيات الخاصة بالمرأة بل وبعض الأحاديث أيضا أرى فيها فوقية الرجل على المرأة، وهنا تجد أغلب الخطابات خطابات تبريرية من نوع أن الرجل أقوى وأن المرأة تحكمها عاطفتها، وأن الرجل عليه السعي والإنفاق والمرأة فطرتها في السكن والاحتواء والأمومة، وتتعدد التأويلات لآيات القرآن الخاصة بالمرأة لمحاولة تبرير الاختلاف الموجود بين الجنسين في بعض الأمور بل تجد البعض يقارن بين ما كان يحدث من معاملة المرأة في بعض الأمم والديانات ويقارنها بالإسلام ثم يذكر في النهاية أن الإسلام كرم المرأة لأنه أعطاها حقوق لم تكن موجودة في بعض الأمم السابقة، وليست المشكلة في الاختلاف بين الجنسين في بعض الأحكام ولا في مركزية الرجل، ولكن المشكلة في التبريرات لهذا الاختلاف وتأويلاته التي تحرم المرأة من ممارسة بعض الأمور بسبب فطرتها وهذه الفطرة ترتبط بطبيعة خلقها أي بطبيعة إلهية فيها لا تستطيع تغييرها وأي فعل تقوم به يخالف هذه التأويلات فهي مخطئة لأن هذا الوضع إلهي مطلق مع كل امرأة في كل زمان ومكان ويجب أن تطيع.

فقد تكون آية مثل“الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْۚ” (سورة النساء /٣٤) ذريعة للبعض حسب فهمه وتأويله أن يمنع المرأة من حقها في العمل لأن الرجل ملزم بالإنفاق وأن هذا الوقت ملك لزوجها ويجب أن تستأذنه في أن تعمل وله حق أن يمنعها والبعض يقول أن عليها أن تشارك في الإنفاق بجزء مقابل الوقت التي تركت فيه بيت الزوجية وهنا مثال لكيف أن النص ثابت ولكن تأويله استدعى أفعال أخرى لم يصرح بها النص، وهذا الفعل قد حرم نساء كثير من العلم والعمل وأشياء أخرى في وقت ما، ولكن بمرور الزمن وبتطور الأوضاع تجد التأويلات اختلفت وحاولت التبرير ومحاولة الإتيان بتأويلات أخرى لتناسب الوضع وتستخدم آلية أخرى لتفسر النص دفاعا عن الإسلام من الذين يقولون عنه أنه ظلم المرأة

AD_4nXc0irFQzEQWzZ0xItXuyKrgTGeEHDCZqJRQibzbsM4LeqNi1tT05gS_86-j33_EuNI7w3MBgFC5dDBNPhtvAUBw3taszGY1kpMf3kM31ek1JSn8zKBFt4uW_f81lHb7Usst83bvGNGYIBz6QUQwqdGtHVQ?key=DB909KNyEPBYyFxBqpdXHA ما الجذور التاريخية لبعض التشريعات والعبادات في الإسلام؟... بقلم: آيه قطب (رحمها الله)

البعض لا يستخدم هذا الخطاب التبريري الذي يتغير طبقا للمعطيات أو دفاعا عن الإسلام ولكنه يرجع هذا الاختلاف  إلى ظروف المجتمع وقت نزول النص فاستدعى النص أن يتعامل مع الوضع القائم المُتقَبل فعلا في زمن التنزيل الذي يسبب المصلحة لمعاصريه في هذا الوقت، وأن وضع المرأة ليس إلهي مطلق ثابت بالخلقة أنها أدنى من الرجل بل هو نتاج ترسبات عبر الزمن وأوضاع وظروف مختلفة أدت بها إلى الوضع الذي كانت عليه وقد يكون هذا الوضع هو ما يناسبهم في الماضي وما يحقق لهم الاستقرار فلا يمكن أن نحكم على وضع الماضي بمنظور عصرنا الحالي لأننا لم نحط بكل الظروف التي أدت لتشكل هذا الوضع وهذا لا يعني أن الأمور كانت مثالية وأن هذا هو الوضع الصحيح، ولكن الإنسان في بناء حضارته عبر الزمن يسير في تقدم  فأمور كثيرة كالعبودية وتراتبية المرأة تذوب خلال الزمن بسبب الحراك الاجتماعي وأوضاع كثيرة مؤثرة فيه تحدث عبر الزمن كالأوضاع الاقتصادية، فالبشرية تتطور وتتقدم عبر الزمن بسبب تفاعلاتها البشرية وكل دين تقريبا يتعامل مع كل مرحلة حسب وعي وتصورات ووضع ومستوى وصول الجماعة القائمة التي يتعامل معها.

السبب الثاني هو ما جعلني أفكر في الدور الذي يلعبه الاجتماع في النص القرآني.

وهناك الكثير من الأمور الأخرى التي يجتهد الشيوخ والدعاة والكُتاب في وضع تبريرات لها لنتقبلها كما فعل الفقهاء قبلهم من أنهم اعتبروا أن هذه التشريعات مطلقة وأن النص إلهي مطلق غير مقيد بالزمان ولا بالمكان، بل البعض يرى أن القرآن كان في اللوح المحفوظ كلية، ثم نزل منجما على النبي محمد وتحدثوا كثيرا في الناسخ والمنسوخ لما وجدوه من شبهة تناقض قد يكون موجود بين بعض الآيات والكثير من الآليات الأخرى التي تحدث فيها العلماء ليرفعوا هذا التناقض بين الآيات أو ليفهموا بعض الآيات، وبالرغم من أنهم قد بحثوا في أسباب النزول لتلك الآيات إلا أنهم لم يربطوها بالواقع الاجتماعي آنذاك في عصر التنزيل بل جعلوها عامة وتنطبق على كل الحالات والأزمنة، وكأن زمن النص كان كالمسرح الذي يمثل عليه الأشخاص أحداث معينة فقط لتتنزل الآيات لا لتعالج تلك الحالات لا بل لتكون سبب لنزول هذه الآيات الخاصة بالأحكام ولتوجد في النص، وتم بذلك انتزاع النص من سياقه وعدم اعتبار أن تلك الآيات نزلت لتحقيق المصلحة لبعض الأمور التي واجهها المجتمع أنذاك، وأنه كانت بعض الأمور المسكوت عنها أو بعض لم تكن مطروحة في هذه المرحلة ولم يكن لها إجابة صريحة في النص، ولكن استمر البحث لإيجاد إجابات لتلك الأمور أما باستنطاق النص ومحاولات التأويلات المختلفة إما بالرجوع إلى السنة ليأخذوا منها ما لم يوجد في النص وكثرت الآليات التي تعالج بها الأمور ليكون هناك قواعد لحل كل الأمور التي تستجد نتيجة التطور الاجتماعي وتكون تلك القواعد مستمدة من التأويلات للنص أو الأحاديث أو الآليات الموضوعة كالقياس أو الإجماع.

ولكن وسط كل ذلك لم يجعلوا للاجتماع دور في تشكيل النص أو أن بعض الآيات تعالج مشكلات آنية في المجتمع العربي بل تحول كل التشريعات الموجودة في الكتاب إلهية مطلقة.

فالنص للمخاطب الأول كان مفهوم لأنه عاصر تنزيله وعاصر الأحداث التي تستدعي نزول هذه الآيات، فقد كان النص في هذا الوقت يتفاعل مع الواقع الاجتماعي، أما بالنسبة لقارئ النص الحالي فالكثير من الأمور قد تكون غامضة بالنسبة له لأنه لم يعلم أسباب تنزل هذه الآيات ولم يعاصر أحداثها، وهذا قد حدث بسبب أن القرآن كان ينزل منجما يعالج حالات موجودة ولكن تم جمعه في كتاب فلم يحتفظ الكتاب بترتيب النزول، وجمعه بين دفتي كتاب مع عدم معرفة الواقع الذي أدى إلى وجود هذه الآيات سيشعر القارئ بعدم الفهم وسيشعره بأن بعض الأحكام قد تكون غير مناسبة له.

وهذا ما جعلني أحاول أن أرجع لأصل الحدث الذي أدى إلى تنزل النص وأحاول أن أفهم منظومة الحياة في هذه الفترة لكي أحاول فهم النص بشكل صحيح كأني واحدة ممن كانوا في عصر التنزيل.

وما جعلني أتجه هذا الاتجاه محاضرة سمعتها للدكتور أحمد عبد السلام بعنوان ”آيات قرآنية وأعراف جاهلية“، وهذه المحاضرة كانت كالمفاجأة بالنسبة لي، فهناك الكثير من أحكام القرآن متعلقة بالعرف السائد في جزيرة العرب، وهذا يجعلنا أن نقول أن القرآن كان يتفاعل مع الظروف القائمة آنذاك ولم يأت بأحكام خارج نطاق المتعارف عليه في بعض الأمور بل كان يقر بعض الأعراف الموجودة في المجتمع في هذا الوقت.

كما علمت أيضا أن بعض العبادات هي امتداد لبعض العبادات التي كانت قائمة في المجتمع العربي. 

وهنا سأحاول أن أذكر بعض الأمثلة للتشريعات والعبادات في الإسلام التي كانت امتداد وتكرار لما هو قائم بالفعل في المجتمع العربي قبل بعثة الإسلام.

وهنا سأبدأ بالحديث عن بعض العبادات وجذورها قبل الإسلام. 

الحج

عرف البشر الحج منذ القدم فما من ديانة إلا ولها أماكن تشد الرحال إليها، فبالنسبة للعرب فمكة منذ القدم من محجات العرب يقصدونها في مواسم معينة، ولم تكن الكعبة المكان الوحيد الذي يحج إليه العرب ويعظمونه فكان لكل قبيلة إله يحجون إليه ويقومون عنده بالشعائر والطقوس وينحرون عندها ويطوفون بها ولها سدنة يقومون بخدماتها ولها كهنة أيضا، فكانت مناة لأهل المدينة، واللات لأهل الطائف، والعزى لأهل مكة.

وإلى جانب الكعبة اتخذت مؤلهات العرب أشكال مختلفة منها ما ينقل العرب فكانوا يأخذون معهم أحجار من الكعبة يطوفون بها عند سفرهم، ومنها ما بقي ثابتا كالحجر الأسود.

وهذه البنايات المقدسة التي بناها العرب أمثال رضر، والقليس، وكعبة نجران، وسنداد، ورئام وبيت العزى، وكعبة شداد الأيادي، وذو الخلصة، وكعبة غطفان والكثير من البنايات الأخرى، حاول أصحابها أن يضاهوا بها الكعبة أو حرم مكة، وتكثر الأساطير والحكايات على بناء مكة، وكان ينتشر بين العرب حتى قبل الإسلام أن النبي إبراهيم هو من بناها، وبداية إعمار مكة بدأت مع نزول هاجر وإسماعيل إليها..

وكثرت الأقاويل حول أصل الحجر الأسود والمقام والركن، فهل هي أحجار من الأحجار البركانية التي يخيل للناس أنها أجسام سماوية، ويكثر حولهما الكلام أيضا في المعتقدات الإسلامية أنهما جوهرتان من الجنة، وأن لهما شأن عظيم، وأن سبب أن الحجر الأسود تحول لذلك هو مس الحائض له في الجاهلية أو أسود من أخطاء البشر. 

الجلسة التي عرضت فيها آية قطب ورقتها

وبالنسبة للمقام على أغلب الظن يأخذ تلك القداسة بسبب علاقته بالنبي ابراهيم فيقولون أنه وقف عليه أثناء بنائه للكعبة.

ونجد أن تعظيمهم في الإسلام ليس وليد الإسلام ذاته بل هو أحدى معتقدات العرب المتوارثة قبل الإسلام وقد أقرها الإسلام.

والسدنة أيضا من الأعمال المرتبطة بالبيت الحرام والسادن هو القائم بأعمال الحجابة، والسدنة كانوا هم الوسيط بين الناس والآلهة، وأيضا القداح كانت مرتبطة بالكعبة فكانوا يستقسمون بالأزلام ويضربون الاقداح عند الكعبة اذا اختصموا في أمر ما، ولا يكون لها سفر ومقام ولا نكاح ولا معرفة حال إلا رجعت إلى القداح، وقد حرمها الإسلام “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ” (المائدة/٣).

وكان الحج من الأعمال الأساسية المرتبطة بالكعبة فكان العرب يحجون من كل مكان اليها وكان هذا التوقيت من العام تقام فيه الأسواق التجارية وتعتبر الأسواق هي السبب الرئيسي في وفود الحجيج إلى الكعبة، فكانوا يتوافدون في شوال إلى عكاظ وفي العشرين من  ذو القعدة تذهب جماعتهم إلى مجنة، تقوم سوقه عشرة أيام ثم يهل ذو الحجة فيسيرون إلى ذي المجاز، وهو موضع على فرسخ من عرفة تقوم سوقه ثمانية أيام حتى الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية (سمي بذلك لأنهم يرتوون من الماء ويملؤون أوعيتهم لما بعده إذا لا ماء في عرفة) ثم يتركون ذو المجاز في التاسع من الشهر ويذهبون إلى عرفة للوقوف بعرفة.

ويرى بعض المستشرقين أن وقوفهم يشبه منظر الذين يلتفون حول المذبح في خشوع، أو كوقوف اليهود على جبل سيناء، وغير معروف بالتحديد من هو إله الجاهلية الذي يقومون بشعائر الحج متوجهين إليه فقد يكون قزح إله الرعد والبرق والغيث، ثم بعد ذلك يفيضون إلى المزدلفة (سميت بذلك لأنهم يزدلفون إلى الله أي يتقربون إليه) قبل أن تغرب الشمس مسرعين وقد استمر الإسراع حتى نهى النبي عنه بعد الإسلام، وفيه يقضون ليلتهم متعبدين بينما تكون نيران قزح ملتهبة منتظرين شروق الشمس على ثبير وهو جبل بمكة بعدها ينفرون إلى وادي منى حيث يرمون الحجارة في أماكن معينة هناك إما رجما للشيطان كما يرى البعض أو لتغطية ذلك المكان بالحصباء خوفا من زرع المكيين له، وأول ما يصلون منى يباشرون في الذبح، والذبح من الشعائر المشهورة عند الساميين وهو فلسفة ليس مجرد عمل وحشي وأحد أسبابه هو إطعام الطعام.

فكانوا إما يذبحون الحيوان ويتركون قسما من لحمه للوحوش، وكانوا يقدمون ذلك لألهتهم حبا فيهم، فكان الجاهليون يذبحون الحيوانات ويعطوا جزءا للضيوف والمساكين وشيئا منها للآلهة وبهذا نزلت الآية “وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ” (الأنعام/١٣٦).

وكانوا يرون في التضحية عاملين انتقال دم الضحية إلى المعبود لذا كانوا يصبون الدماء على رؤوس الأصنام تسكينا لغضب الإله وطلبا في رضائه وثانيا انحلال دمها ولحمها في لحوم العباد ودمائها.

وكانت أيضا القرابين البشرية تنتشر بينهم فيقدمون للآلهة أجود أسراهم الذين أخذوهم في الغزوات ويذبحونهم ويشربون دمائهم.

ويوحي بذلك أيضا وجود قصة ذبح إبراهيم لإسماعيل في القرآن، وأيضا قصة عبد المطلب عندما كان سيقوم بذبح ابنه عبدالله.

ومعنى هذا أن قصة الذبح والقرابين كانت موجودة في العقلية العربية قبل وجودها في الإسلام فقد امتدت عادة الذبح في منى بعد الإسلام  ونرى اشارة القرآن إلى مشاركة الآلهة عبادها في الفريسة “لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ” (الحج/٣٧) وهنا إقرار للذبح مع تعديل النية في القيام به سواء ذبح الأضحية أو ذبح الهدي” وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ” (البقرة/١٩٦).

وأيضا حلق الشعر كانت من الطقوس المرتبطة بالحج، فبعد انتهاء الذبح في منى وفي العاشر من ذي الحجة كانوا يحلقون رؤوسهم ثم ينتهي الإحرام، وكانوا يحلقون رؤوسهم لأن من عاداتهم أن يلبدوا رؤوسهم قبل الحج حتى وصولهم لمنى، وقد كانوا يفعلون ذلك من أجل الفقراء فكانوا قبل الحلق يضعون على شعرهم الدقيق ثم يحلقون شعرهم فكان الفقراء يأخذونها ويحصلون على الدقيق منها، والحلق والتقصير لم تكن تحصل في منى فقط فكانوا يأتون الأصنام ويحلقون رؤوسهم عندها.

وامتدت هذه العادة حتى دخلت الإسلام أيضا “لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ” (الفتح/٢٧).

والاعتمار كان عندهم أيضا وكان في شهر رجب يجعلون الأشهر الحرام الاخرى للحج ورجب للعمرة.

والصفا والمروة أيضا من شعائر الحج عندهم كانوا يسعون بينهم ويرجعون ذلك إلى قصة هاجر أو إلى قصة اساف ونائلة (صنمين عند الصفا والمروة كانوا يعبدوهم وأصلهم أسطورة تقول أنهم رجل وامرأة وجدوا يمارسون الزنا عند البيت الحرام فتم عقابهما من الله فتحولا لحجرين وبمرور الزمن نسي السبب الأصلي وتم اعتبارهم من المقدسات لديهم) وقد امتدت شعيرة السعي بين الصفا والمروة هذه في الإسلام ايضا وكان المسلمون يتحرجون منها فنزل قول الله “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ” (البقرة/١٥٨).

والطواف والتلبية أيضا من الأمور المعروفة عندهم، الطواف كان حول الصنم عند الذبح وهو أصل الطواف الذي كان يقوم به العرب قبل الإسلام، كما أن التهليلات التي كانوا يقومون بها عند الطواف لا يستبعد أنها كانت تطور لصرخاتهم الذي كان يصاحب قتل الضحية.

فيقولون سميت مكة بذلك لأن العرب في الجاهلية كانت تمك عندها أي يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا طافوا بها.

فبالنسبة للطواف كانوا يطوفون حول البيت عرايا دون ملابس، حيث كانوا يكرهون أن يطوفوا في ثياب عصوا الله فيها، فكانوا يخلعون ملابسهم فإذا انتهى الطواف ارتدوا ملابسهم، ثم صنعت قريش (الحمس) ملابس مخصصة للحجاج، عبارة عن مآزر غير مخيطة، وكان من لا يقدر على شراء تلك المآزر يطوف عرياناً، وقد يكون هذا يشبه ملابس الإحرام بعد الإسلام.

وتلبيتهم كانت تختلف من قبيلة إلى قبيلة فقريش ونزار تقول (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك تملكه وما ملك)، وثقيف (لبيك اللهم إن ثقيفا قد أتوك واخلفوا المال وقد رجوك).

ولم تختلف التلبية في الإسلام عن ذلك في الألفاظ  والصيغة.

النسيء والحمس كانت أيضا من الأعمال المرتبطة بالحج عند العرب، فالنسيء هو أنهم يحلون بعض الأشهر الحرم ويحرمون غيرها من الشهور، لأنهم كانوا لا يستطيعون الامتناع عن الحرب والإغارة  ثلاث شهور متتالية فكانوا يفعلون ذلك ليحلوا لأنفسهم المحرم لأن الإغارة كانت من الأسباب الرئيسية عندهم للارتزاق، وقد حرم الإسلام النسيء “إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ الله زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ” (التوبة/٣٧).

فالأشهر الحرام متعارف عليها لدى العرب الجاهليين قبل الإسلام وكانوا يمنعون فيها القتال ليتمكنوا من إقامة الأسواق في أشهر معينة ويتم فيها الحج ووفود القبائل إلى مكة للتجارة، فكان الحج موسم التجارة الأساسي لدى العرب قبل الإسلام.

والحمس هو التشدد في الدين والحمس وهم قريش فكانوا يتباهون أنهم من بنو إبراهيم ويتفاخرون بأنهم قاطني مكة وقد ابتدعوا أمورا لم تكن موجودة آنذاك في أمور الحج وفرضوها على أنفسهم فإذا نسكوا لم يدخلوا البيوت من أبوابها وهذا مشار إليه بالآية “وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (البقرة/١٨٩)،

وكانوا لا يمسوا النساء ولا الطيب ولم يسلؤوا سمنا ولا ادخروا لبنا ولا أكلوا لحما، ولا يحل لهم أن يأكلوا طعاما اتوا به من الحل إلى الحرم، ونجد بعض الأعمال المشابهة لذلك في الإسلام قد حرمت في فترة الإحرام كالتطيب، والجماع كما في هذه الآية بعض

“الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ“ (البقرة/١٩٧)، وكان الحمس لا يحضرون عرفة وإنما يقفون بالمزدلفة، ولما رأى أحد الصحابة رسول الله واقفاً بعرفة تعجب لأنه قريشي،  فكيف يساوى نفسه بسائر الناس ، فنزلت الآية “ثمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (البقرة/١٩٩).

الصلاة

شكل الصلاة

ولم يكن الحج فقط في الإسلام هو تكرار لما كان موجودا قبله فالصلاة من أساسيات كل الأديان تقريبا ولكن تختلف شكل الصلاة وطريقة أدائها من دين لدين فمنها ما يعتمد على الحركات ومنها ما يكون مجرد تأمل، وحتى العرب قبل البعثة كان البعض منهم يعرف شكل للصلاة نتيجة اختلاطهم مع اليهود والنصارى ولكن أغلب الجاهليين لم يكن لهم صلاة بأركان وحركات محددة يقومون بها  لكن أغلب الظن أنهم كانوا على دراية بوجود الصلاة كطريقة للتواصل مع الإله فكانت صلاتهم عبارة عن أنهم يطوفون عراة حول الكعبة ويصفقون ويصفرون وقد تكون هذه الآية إشارة إلى ما كانت عليه صلاتهم “وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ۚ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ” (الأنفال/٣٥)، فلم تكن صلاتهم صلاة تبجيل واحترام تدب على تقدير إنسان لإلهه، ولكن هذا النوع من الصلاة قد كان معروفاً في بعض الأديان التي كانت تؤدي صلاتها بغناء وموسيقى ورقص ظنا أنها تدخل المسرة على قلوب الآلهة وترضيها وقد تكون صلاة قريش شبيهة بهذه الصلوات.

وقت الصلاة

والصلوات في أغلب الأديان ترتبط بأوقات معينة أغلبها مرتبطة بالشروق والغروب وذلك بسبب عدم معرفة الإنسان القديم ضبط الوقت وأيضا بسبب تقديسه للأجرام السماوية ولا سيما الشمس والقمر وهما أبرز الأجرام ظهورا في الليل والنهار، فأوجبت المجوسية على من بلغ من متبعيها ثلاث صلوات في الصباح والعصر والمغرب وأيضا صلاة الفراش، وفرضت اليهودية على معتنقيها خمس صلوات يومية (صلاة الصبح وصلاة الليل عند النهوض وعند النوم (شماع) وهي فقرات تقرأ فيها فقرات معينة من التوراة وتبدأ بكلمة الشهادة وهي (يشمع يسرئيل) أي اسمع يا إسرائيل، وثلاث صلوات أخرى اسمها تفيلة في الصبح والعصر والمغرب)، وصلاة رأس كل  شهر (عرف هذا النوع عند المجوس والهنود والشعوب الأوروبية)، وصلوات في المناسبات والأعياد ونهاية أيام الصوم، وصلاة الجنائز، وصلاة السبت بمثابة صلاة الجمعة عند المسلمين.

وفي الإسلام قبل فرض الصلوات الخمسة هناك مرويات تقول أن النبي كان يؤدي ركعتين في النهار اسمها صلاة الضحى عند الكعبة، وكان عليه الصلاة والسلام يؤدي ركعتين في العصر اسمها صلاة العشي، وليس هناك معلومات عن ما كان يقرأ في هذه الصلوات لأنها كانت  بداية البعثة أي قبل نزول سورة الفاتحة.

وأيضا صلاة التهجد الموجودة عند المسلمين كانت موجودة عند اليهود والمسيحيين أيضا.

التطهر

الغسل والتطهر من العادات المعروفة عند الساميين لتطهير الجسم من الادران ومن الأرواح الشريرة لاعتقادهم أن الطهارة تطرد الأرواح وتبعدها عن جسمهم.

وبالنسبة لستر العورة والتطهر من النجاسة فهي شرط أساسي في كل الديانات تقريبا ففي اليهودية تعتبر الصلاة باطلة في حالة ظهور العورة أو النجاسة سواء نجاسة البدن أو مكان الصلاة.

كما كان هناك في الديانة اليهودية طهارة صغرى تقع يوميا يقوم بها اليهودي قبيل كل صلاة وتشبه عملية الوضوء في الإسلام، فماء البحر والماء المالح غير صالح، في البداية يغسل يديه ثلاث مرات ثم يغسل بعدها كامل الوجه ثم يتمضمض ثم يمسح وجهه بمنديل ثم يتبع هذه العملية بسلسلة من الادعية لله أنه اعطى له الماء الطهور.

وكان عندهم طهارة كبرى إذا لمس اليهودي ميت أو أجرى اتصالا جنسيا أو لمس دم الحيض والنفاس والخنزير يغطسوا بجسدهم كله في الماء ليتطهروا، وكانت المرأة تفعل ذلك بعد الولادة أو الإجهاض، وكانت تنتظر المرأة خمسة عشر يوما قبل التطهر من دم الحيض لما قد يظهر من بقايا دم أثناء تلك الفترة وكانت بعد التطهر يحل لها معاشرة زوجها.

كما أن العرب قبل الإسلام عرفوا الطهارة، وكانوا يعتبرون الحيض نجاسة، والموت نجاسة لذلك أوجبوا الغسل وقد أقره الإسلام، وأيضا الجنابة وأوجبوا الاغتسال لها وكانوا لا يطوفون بالبيت وهم جنب والحائض أيضا لم تكن تطوف بالبيت وقد أقر الإسلام ذلك، وكانوا يداومون على المضمضة والاستنشاق والسواك، وعرفوا أيضا الاستنجاء والاستجمار للتطهر من الحدث الأصغر.

والتيمم أيضا معروف في الشريعة اليهودية والمجوسية عند التعذر في وجود الماء، ففي اليهودية يتطهرون بالتراب إن لم يوجد الماء حيث يفرك يده بالتراب وبذلك تتم الطهارة، وفي المسيحية يعمدون أولادهم بالصعيد الطاهر في حالة تعذر وجود ماء.

وفي المجوسية يتم غسل الأجزاء اليمنى في الجسم قبل الأجزاء اليسرى في الغسل والوضوء، وحتى في لبس الحذاء يقدم القدم اليمنى على اليسرى وكذلك في شريعة اليهود.

صلاة الجمعة

وصلاة الجمعة صلاة أسبوعية يجتمع فيها المسلمين، وكان لليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد يجتمعوا فيه يصلوا ويذكروا الله كما للمسلمين.

وبالنسبة لصلاة الجمعة عند المسلمين فهناك روايتين في أصلها الأولى أن أسعد بن زرارة كان يصلي بأصحابه بالمربد قبل قدوم النبي إلى المدينة، فروي أن الأنصار بالمدينة اجتمعوا إلى سعد بن زرارة وقالوا هلموا نجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر الله ونصلي، فإن لليهود السبت، وللنصارى الأحد، فاجعلوه يوم العروبة، فصلى بهم يومئذ ركعتين وسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه.

والرواية الأخرى هي أن مصعب بن عمير كان يأتي الأنصار يدعوهم للإسلام ويعلمهم الإسلام ولما انتشر الإسلام في المدينة بعث إلى النبي يسأله عن يوم يجتمعوا فيه فأذن له وقال (أنظر من اليوم الذي يجهر فيه اليهود لسبتهم، فإذا زالت الشمس، فازدلف إلى الله فيه بركعتين واخطب فيهم)، والاختلاف بين الروايتين لأن أهل المدينة يتعصبون للرواية الأولى لأن أسعد بن زرارة منهم، وأهل مكة يتمسكون بالرواية الثانية لأن مصعب منهم فكل منهم يبحث عن فضل إقامة يوم الجمعة بسببه.

صلوات اخرى

وبالنسبة لصلاة الخوف عند المسلمين نجد أيضا في الشريعة اليهودية أنها قصرت الصلاة في حالة الخوف.

وبالنسبة لصلاة الاستسقاء كان يفعلها العرب قبل الإسلام أيضا ولكن باختلاف الطريقة ولكنها نفس الفكرة وتصلى لنفس الأسباب فكانوا إذا احتبس عنهم المطر يجمعون البقر ويصعدون في الجبل الوعر ويشعلون فيها النار ويرون أن ذلك من أسباب المكر وتسمى تلك النار نار الاستمطار، وعرفت أيضا عند الشعوب الأخرى كاليهودية والنصرانية وعند اليونان والرومان.

كما أنه كان هناك صلاة جنازة في اليهودية، وعرف العرب أيضا صلاة الجنازة ولكن ليس بكيفية صلاة المؤمنين فكانوا فقط يصلون على قبر الميت ويذكروا محاسنه وأعماله ويظهرون الحزن عليه.

القبلة

والقبلة من ضمن الشعائر المهمة الموجودة في ديانات الساميين، فقبلة اليهود كانت أورشليم جاء في التوراة (وصلوا إلى الرب نحو المدينة التي اختارها، والبيت الذي بنيته لاسمك، فاسمع من السماء صلاتهم وتضرعهم واقض قضاءهم)، وكانت للمسلمين أيضا حتى تم تحويلها للكعبة.

الأذان

اتخذت الأديان طرق مختلفة لدعوة الناس للصلاة فاتخذ اليهود الأبواق المصنوعة من سن قرون الكباش والمعدن لينادوا للصلاة، وفي الإسلام الأذان هو الطريقة التي يتم بها نداء المسلمين للصلاة، وجاء عن طريق حلم لعبد الله بن زيد الخزرجي،  وقبلها كان المسلمون ينادون الصلاة الصلاة، أو الصلاة جامعة، أو هلم إلى الصلاة  بصوت عالي ليدعو الناس للصلاة.

وبالنسبة لبقية أركان الإسلام فنجد أنها تتكرر عند الشعوب السامية أيضا فنجد الصدقة والزكاة موجودة عند اليهود لأنها فيها المؤمن يضحي بماله أغلى ما يملك في سبيل رضا الله.

وحتى الصوم موجود في اليهودية والنصرانية حتى لو اختلف شكله عن الصيام في الدين الإسلامي.

ولكن بعض استعراض هذه الأمور من الممكن أن نقول أن لكل دين طقوسه وعبادته التي يتقرب بها البشري إلى الإله ومن الممكن أن تكون اختلفت في أشكالها وفي الهدف الذي كانت تؤدى إليه عبر الزمن ولكن إقرار الإسلام لبعض الطقوس الموجودة عند العرب ووجودها فيه قد يوحي أن الفكرة ليست في شكل الطقس ولا في طريقة أداؤه ولكن في نية البشري القائم بهذا العمل “ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ” (الحج/٣٢)،

ولكن الفعل نفسه هو فقط وسيلة تعبير للبشري عن عبادته لربه أو من الممكن أن تكون كشكل تنظيمي لأصحاب الدين الواحد أو كطريقة لانتمائهم وتجمعهم وتوادهم بأدائهم لنفس الطقس، ولكني دائما ما أجد في الكتب التي أقرأها الكثير من التأويلات للمعاني الإشارية للعبادات في الإسلام كالصلاة والحج، وأنا لا ارفض المعنى الإشاري ولكن الذي يعنيني أن هذه الطقوس ليست وليدة الإسلام وليست مطلقة إلهية بل هي امتداد لطقوس كانت قائمة بالفعل وجاء الإسلام وأقرها أو عدل فيها، وقد نستطيع أن نجد ببعض البحث أصل هذه الأفعال وكيف بدأت وهل هي طريقة بشرية بابتكار البشر في تواصلهم مع الخالق أم بوحي إلهي أم بالاثنين معا باختلاف الطقس، ولكن أيا كانت النتيجة، فالإله يتعامل مع البشري بالشكل الذي يناسب البشري حسب وعيه وليس حسب ما هو إلهي مطلق، ولكن المهم في جوهر العبادة وما تعود به على البشري فالحركات في ذاتها قد يكون وراءها معاني إشارية يقصدها الإله وقد تكون وراءها معاني يقصدها البشري إذا كان أصل الفعل منه أو قد تكون كوسيلة تنظيمية للدين كالأذان ويوم الجمعة، ولكن المهم هو أنه ليس هناك شكل عبادة في دين أفضل من شكل عبادة في دين آخر، فهي فقط طرق تعبير البشر عن تواصلهم مع الإله.

التشريعات

كان للعرب قبل الإسلام بعض الأعراف التي كانوا يحتكموا إليها في أمور معاشهم وقد تكون بعض هذه الأحكام موجودة ومتشابهة مع أحكام موجودة في التوراة مثلا، بسبب انتشار اليهود في الجزيرة العربية قبل الإسلام، أو من القوانين البابلية التي تسربت إلى المحيط العربي، وقد أقر الإسلام على بعض هذه التشريعات أو عدل فيها، فكانت آيات الأحكام نتاج تفاعل النص مع ما هو اجتماعي قائم في عصر التنزيل وأنه أقر بعض الأعراف الموجودة في هذه المرحلة.

السرقة

بالنسبة لآية “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (المائدة/٣٨)، القارئ للآية بدون معرفة سياقها الظرفي قد يرى أن هذا الحكم إلهي مطلق منزل من الإله مباشرة ولكن لو رجعت لزمن التنزيل سيكون فهمنا له مختلف سنجد أنه كان يتعامل مع وضع قائم في الجزيرة العربية، فكما قلنا أن كثير من أحكام التوراة أو القوانين البابلية تسربت للعرب قبل الإسلام.

وبالنسبة للسرقة عند اليهود فلم يكن عقابها قطع يد السارق فكان من بعض عقوباتها تغريم السارق ضعف قيمة ما سرق، ولكن في قوانين حمورابي البابلية نجد أن حكم السرقة قطع اليد (لو استأجر رجل عاملا ليعتني بحقله فسلمه علف القطيع، ووضع القطيع بإشرافه، وشغله في إعداد الحقل بعقد، ثم قام العامل بسرقة البذور أو العلف، وقبض عليه متلبسا تقطع يده) وقد تعددت العقوبات للسرقة في القانون الحمورابي حسب الحالة.

ونجد أن حكم قطع يد السارق كان معروفا لدى العرب قبل الإسلام الذي قد يكون نتيجة الاقتباس من القوانين البابلية التي تسربت إلى المحيط العربي، وكان هذا الحكم خاص بقريش فتم قطع يد بعض الرجال السارقين في الجاهلية كعوف بن عبيد بن عمر بن مخزوم وعبدالله بن عثمان بن عمرو بن كعب، ولكن على الأغلب بقية القبائل لم تطبق هذا التشريع بل عرفت التعويض المالي بضعف القيمة أو بعدة أضعاف منها كما في التشريعات اليهودية.

ولكن المهم هنا أن الإسلام أقر حكم كان موجود فعلا في المحيط العربي فهو لم يأت بأمر غير متعارف عليه في العرف الجاهلي بل أقر وجوده.

القصاص

بالنسبة للآية “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (آل عمران/١٠٢).

إذا انتزعنا الآية من سياقها الظرفي ستظهر أن الحكم هو قتل الحر مكان الحر والعبد مكان العبد والأنثى مكان الأنثى، بالرغم أن الآية كانت تتحدث عن حالة بعينها قائمة آنذاك وهي أنهم كانوا يقتلون الحر من قبيلة غيرهم إذا قتل عبدا منهم ويأخذون الرجل مكان المرأة، كنوع من الرفع من قيمة قتيلهم.

وقد نجد بعض الروايات تنقل أن آية “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (المائدة/٤٥)، هي ناسخة للحكم في الآية الأولى بالرغم أن هذه الآية إخبارية وتتعلق بالتوراة وليس من المنطقي أن تكون ناسخة، وقد فسرها البعض أن الحر لا يقتل بالعبد لأن العبد لا يتساوى مع الحر لأن العبد أدنى منه وهنا تفرقة واضحة بين قيمة حياتين لنفس بشرية.

وهنا للفهم الصحيح للآية يستدعي أن نفهم سبب نزولها فهي ليست ذات وجود أزلي في اللوح المحفوظ ولكن كانت نتاج تفاعل النص مع وضع عرفي قائم وكان النص يتجاوب معه ويرد عليه، وليس من المعقول أن نعتبرها إلهية بإرادة مطلقة متجاهلا العرف القائم والمعنى هنا كان يناسب الظرف فيحذرهم أن يقتلوا الحر مكان العبد إلا إذا كان هو قاتله ولا يقتلوا الرجل بالمرأة إلا إذا كان هو قاتلها، وبالنسبة لكتب عليكم القصاص في القتلى فمعناها القصاص بعمومه كقاعدة عامة وما كان قائما أصلا قبلها بالفعل في العرف الاجتماعي من قتل النفس مقابل النفس إلا في بعض حالات التجاوزات كما كانوا يفعلوا طبقا للآية.

وهنا كان معنى النص واضح بالنسبة للمخاطب الأول لأنه عاصر وقت التنزيل على عكس القارئ الذي سيقرأ النص منزوعا من سياقه والذي سيتم تأويله بأكثر من طريقة لمحاولة فهمه.

الزنا

الآية “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ” (النور/٢)، الآية الأخرى ”وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا  وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا” (النساء/١٥).

القارئ للآيتين السابقتين سيلاحظ في الآية الأولى أن الحكم للزاني والزانية هو الجلد، وفي الآية الثانية عقاب المرأة هو الحبس وعقاب الرجل هو الإيذاء (مع ملاحظة عدم تحديد شكل الإيذاء)، ومن خلال الآيتين قد تظن أن هناك حكمين مختلفين فأي الحكمين ملزم.

من وجهة النظر الفقهية أن الآية الأولى في سورة النور ناسخة للآية الثانية الموجودة في النساء، ولكن هل هذا الاستنتاج صحيح أم لا، هذا لن نعلم أجابته إلا إذا كنا معاصرين للأحداث التي تنزل فيها النص لكي نعلم ما الحدث الذي أدى إلى نزول الآية الثانية، كما ذكر فآذوهما مطلقة بدون تحديد نوع الأذى يوحي بأنه طريقة الأذى كانت متعارف عليها وقت تنزيل النص، كما أيضا هناك بعض التأويلات تقول أن هذا الحكم خاص بالشذوذ الجنسي بسبب كلمة واللذان يأتيانها منكم قد توحي بممارسة الجنس بين أثنين من نفس الجنس، إذا فلم يرفع الغموض عن هذه الآية غير معرفة التوقيت الذي نزلت فيه.

أما بالنسبة للآية الأولى وهي من سورة النور وقد تنزلت أعقاب حادثة الإفك لذلك نجد  إسهاب في السورة في قضية أثبات الزنا وتفصيل آلياته وهذا له علاقة وثيقة بالظروف الاجتماعية الملابسة للتشريع والنص.

لكن لنحاول تخيل الشكل العام لنظرة العرب لجريمة الزنا قبل الإسلام وكيف كانوا يتعاملوا معها وكيف ساير الإسلام ما كان موجود أصلا في المجتمع.

في المجتمعات القديمة كانت الصورة البطريركية الأبوية هي السائدة وكان الأب يحرص على انتقال ميراثه إلى أبنائه لذلك كان من المهم التأكد من  سلامة نسب الأبناء لذلك جرى التشديد على تحريم أي علاقة زوجية خارج إطار الزواج لحفظ النسب، والعرب كانوا أيضا يتعاملون مع جريمة الزنا للمرأة الحرة المتزوجة بشكل مغلظ لأنه اعتداء على حق الزوج صاحب العرض، وكانوا يتساهلون في الزنا الخاص بالرجل وإن كان معرضا للانتقام من أهل المرأة التي زنا بها ولا يحق للزوجة طلب أن يعاقب زوجها الزاني، وكان عقاب الزنا عندهم يختلف من قبيلة لقبيلة كتغريب الجاني ونفيه أو رجمه وقد قيل إن أول من رُجم في الزنا في الجاهلية ربيع بن حدان، والرجم كان إحدى العقوبات الموجودة في الديانة اليهودية على الزنا.

والفقهاء يقولون أن حكم الزنا للمتزوج هو الرجم وليس الجلد بالرغم عدم وجود آية في القرآن تقول ذلك، ولكنهم يقولوا أن هناك آية نُسخت تلاوة وبقيت حكما وهي (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم)، ويقولون أن النبي قد حكم بالرجم على الزناة في أكثر من حالة وهذا ما سيبقي الحكم، ولكن للرجوع لإحدى الحالات التي حكم عليها النبي بالرجم كانت حالة يهودي أتى اليهود للنبي ليحكموه فيه فقال لهم أحكموا بما عندكم في التوراة فحكم عليه بالرجم وهو حكم موجود فعلا في التوراة وهناك حالات أخرى أيضا تذكر استخدام النبي لعقوبة الرجم، وإذا كان هذا حدث فعلا فقد يكون النبي استخدم هذه العقوبة قبل نزول حكم الجلد لأنه كيف ستنزل آية الجلد بدون تخصيص ثم يخالفها النبي ويمارس الرجم، كما أن آية اللعان تقول ويدرؤوا عنها العذاب وليس الموت والعذاب يدل على الجلد وليس الرجم.

ولكن الحديث عن نسخ حكم الرجم ليس موضوعنا الآن.

ولكن في المجمل في قضية الزنا بسبب وجود الآيتين التي ذكرتا في البداية يجعلنا نقول أن معرفة السياق الظرفي لنزول الآيتين سيساعدنا في فهمنا لهما، ولكن نستطيع أن نقول أن أيا كانت عقوبة الزنا فهي كانت تتفاعل مع الأوضاع القائمة في هذه الفترة، فنجد في الآيتين اللتين ذكرناهما في البداية هو تقديم حكم العقوبة للمرأة قبل ذكرها للرجل وقد يكون هذا طبقا للظروف القائمة التي كانت تعظم من جريمة المرأة عن الرجل في حكم الزنا.

خاتمة

ومن مناقشة بعض الأحكام التي كانت موجودة في المجتمع العربي قبل الإسلام وإقرار الإسلام لها، يجعلنا أن نقول أن بدون معرفة السياق الزمني لنزول الآيات وأسباب نزولها لم نستطيع أن نقف على المعنى المقصود من الآية، ويجعلنا أن نقول أيضا أن بعض تشريعات الإسلام لم تكن إلهية مطلقة منفصلة عن الواقع الاجتماعي لكن كان هناك تفاعل دائم بين النص والواقع الاجتماعي آنذاك، وهذا يجعلنا أن نجيب على الطرح الذي سقناه في بداية البحث أن الإسلام هو صفوة التشريعات وأنه أتى بأفضل ما جاءت به الأديان والتشريعات التي قبله، فكيف نثبت هذا ونحن نجد أن أغلب تشريعاته مأخوذة مما كان موجود قبله فعلا أي أنها وارد أن تكون تشريعات بشرية ولكن الإله أقرها لأنه يتعامل وفقا لما يناسب البشر وما يستوعبوه لذا قد تختلف أو تتفق التشريعات من أمة لأمة لأنه ليس الهدف الرئيسي في التشريع ذاته ولكن في الفائدة والمصلحة التي تعود على البشر من هذا التشريع، وحتى لو كان هذا التشريع ليس بدايته بشرية وكانت إلهية فأيضا الإله يتعامل مع البشر وفقا لوعيهم ومنطقهم وليس بقدرة الله المطلقة فهو دائما ما يتفاعل مع أمورهم طبقا لظروفهم الاجتماعية والجغرافية والنفسية والكثير من الأمور الأخرى وليست أحكام مطلقة ثابتة منذ قديم الأزل في اللوح المحفوظ.

وإذا كانت هذه التشريعات موجودة في المجتمع العربي وأقرها الإسلام فقد تكون هذه التشريعات مختلفة لو أنها تعاملت مع مجتمع آخر بتشريعات مختلفة، وقد يكون ذلك حدث في كل دين أن الدين المرسل من الإله بتشريعاته كانت التشريعات متفاعلة مع ما هو قائم بالفعل في هذا العصر من تشريعات التي قد تكون متأثرة بجغرافية المكان التي فيه أو قد تكون مقتبسة من قوانين  الحضارات الأخرى ووصلت إليها.

فالإله سواء في اللغة أو التشريع أو العبادة يتعامل مع وعي البشري ويخاطبه بمستوى وعيه وإدراكه وليس بصفاته الإلهية المطلقة.

فاللغة طريقة البشري في التواصل والفهم لذا يتعامل معه الإله بما يفهمه، والعبادة هي طريقة البشري في التعبير عن حبه وتعظيمه لإلهه وما ستعود عليه من أثر في أدائها لذا من الممكن أن تختلف أشكال العبادة طالما الهدف منها تحقق وهذا بما يناسب وعي البشري أيضا الذي قد يكون أداؤه للطقس يشبع شيء بداخله، والتشريع هو طريقة البشري لتنظيم أموره على الأرض ويتفاعل الإله أيضا مع ما هو قائم بالفعل إلا إذا أضاف بعض التعديلات عليها لأن المهم هو مصلحة البشري فالشرائع في مقاصدها وفوائدها على حياة البشري وفي تنظيم حياته هي جوهر الموضوع.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات