مراجعة “لا أحد ينام فى المنامة” لنادر كاظم … بقلم: بهاء الريدي
بقلم: بهاء الريدي

عندما أقرر القيام بزيارة بلد ما، أبحث عن كتب أو روايات تتحدث عن تلك البلد، لذا عند زيارة البحرين بحثت عن كتب عنها، فوجدت الكتاب الرائع “لا أحد ينام فى المنامة” بقلم د. نادر كاظم.
لماذا لا ينام أحد في المنامة؟
العنوان على غرار عنوان رواية للروائي المصري السكندري إبراهيم عبد المجيد “لا أحد ينام فى الأسكندرية”، وهي الجزء الأول من ثلاثيته عن الإسكندرية (لا أحد ينام في الأسكندرية – طيور العنبر – الأسكندرية فى غيمة)، وقد قارن الكاتب بين المنامة والأسكندرية، ومدى التشابه فى تطور كليهما من مدن كوزموبوليتانية1 إلى وضعهما الحالي، وأيهما أحق فى لقب أن لا أحد ينام بها؟

يذكر الكاتب أن أول ذكر للمدينة كان في عام 1330، عندما زار توران شاه، ملك هُرمز2، الجزيرة ويُقال أن سبب تسميتها بهذا الاسم؛ أن الجنود كانت تذهب للنوم بها، أي أنها بدأت كمكان للنوم.
يتناول الكتاب تاريخ مدينة المنامة، عاصمة البحرين، وتحولاتها الاجتماعية والثقافية عبر القرون. ثم يستعرض الكتاب التطورات التي شهدتها المدينة منذ التوسع البرتغالي في القرن السادس عشر، وحتى الطفرة النفطية في منتصف سبعينيات القرن العشرين. مُسلِطًا الضوء على تأثير هذه التحولات على سكان المدينة، وأنظمتها، وتوجهاتها الفكرية وصعود تيار الإسلام السياسي وتفاقم الخلل السكاني. الكتاب ليس تأريخًا للمنامة فحسب، بل هو تأريخ للتحولات الكبرى التي حدثت بمنطقه الخليج.
التجارة والاستعمار
تعود جذور المنامة إلى قرون مضت، حيث كانت محطة تجارية رئيسية على طريق الحرير البحري. اجتذبت المدينة التجار والمغامرين من مختلف أنحاء العالم، التجار العرب والفرس، وصولًا إلى البرتغاليين والهولنديين والبريطانيين الذين حاولوا بسط نفوذهم عليها بسبب موقعها الاستراتيجي وثرواتها البحرية، وأهمها اللؤلؤ في القرن السادس عشر.
سيطر البرتغاليون على البحرين، ثم طردهم الفرس، ثم جاء البريطانيون الذين استمر نفوذهم حتى منتصف القرن العشرين.
خلال هذه الفترات، ظلت المنامة مركزًا اقتصاديًا هامًا في السنوات الأخيرة، ومع التطورات الاقتصادية تغيرت طبيعة الحياة في المنامة، حيث انتشرت مراكز التسوق الفاخرة والمباني الشاهقة، ولا تزال روح المنامة القديمة قائمة في أسواقها الشعبية، ومقاهيها التقليدية، وقد زرت خلال وجودي بها مراكز التسوق الفاخرة وكذلك المناطق الشعبية.
مدينة التعددية والتسامح
لطالما كانت المنامة مثالًا على التعايش والتنوع الثقافي والديني. منذ القِدم، سكنها العرب، والفرس، والهنود، والأفارقة، وحتى الأوروبيون، وتعايش بها العديد من الطوائف والأديان الإبراهيمية وغيرها: المسلمون والمسيحيون، واليهود، والبهرة، والهندوس، والبهائيون، والصابئة. انعكس هذا التنوع في المعمار، والأسواق، والمأكولات، وحتى في اللغة اليومية لسكانها، والتحول الذي حدث للمدينة من كونها ميناء صغير إلى مدينة ساحلية بها كل الجنسيات والديانات ، ثم إلى مدينة قومية عربية خلال فترة المد الناصري فى الخمسينيات من القرن الماضي، ثم صعود التيار الإسلامي.
ومع اكتشاف النفط في البحرين، شهدت المنامة تحولات كبرى، إذ أصبحت مركزًا اقتصاديًا جذَب العمالة من مختلف الدول، مما زاد من تنوعها الاجتماعي والثقافي، هذا الخليط من الثقافات جعلها مدينة عالمية، من حيث الانفتاح والتعددية. وقد لاحظت فعلًا خلال زيارتي وجود جنسيات عديدة من عرب، وأجانب ومن آسيا.
الحياة الليلية في المنامة.. لا أحد ينام حقًا
يصف الكاتب المنامة بأنها مدينة لا تنام، مليئة بالحيوية والنشاط، حيث النهار مخصص للأعمال والتجارة، والليل للحفلات والمقاهي الثقافية والمسارح ودور السينما التي بدأت كترفيه لعمال شركة النفط عام 1935. وخلال فترة الاحتلال البريطاني كانت العاهرات تتجمع في حي جراندول.
إذا تجوّلت في شوارع المنامة ليلًا، ستجدها تعج بالحياة. الأسواق لا تزال نشطة، والمقاهي تكتظ بالرواد، وكأن المدينة لا تعرف الراحة. مما جعلها مقصدًا للبشر من مختلف أنحاء العالم، وكان يطلق عليها شانزليزيه3 الخليج.
تقييم الكتاب
الكتاب صادر عن دار سؤال بيروت، وهو كتاب ممتاز يستحق خمسة نجوم. الكتاب مبذول به جهد عظيم في البحث، ويحتوي على العديد من الصور والخرائط وصور المخطوطات والوثائق والإحصاءات والمعلومات. على سبيل المثال: تطور الدخل، و تطور الملابس، وعدد الجاليات بالبحرين على مر العصور وهكذا.
تعريف بالمؤلف

دكتور نادر كاظم (1973) كاتب بحريني، مفكر كبير له قدرة على البحث والتحليل وذو معرفة وثقافة رائعة. إنسان خلوق و متواضع، له العديد من المؤلفات مثل: المقامات والتلقي – تمثيلات الآخر – الهوية والسرد – استعمالات الذاكرة – إنقاذ الأمل – الشيخ والتنوير – لا أحد ينام في المنامة.
هوامش:
- المدن الكوزموبوليتانية هي المدن العالمية التي تستضيف أشخاصًا من أعراق ومعتقدات وثقافات مختلفة، ويسود فيها جو من تقبل الآخر، واستيعاب التنوعات والاختلافات بين مكوناتها. ↩︎
- مملكة هُرمُز هي مملكة عربية قامت في القرن العاشر الميلادي على السواحل الشرقية للخليج العربي، وقد اشتهرت بالتجارة وبالثراء، وهي الميناء البحري لتجارة منطقة كرمان وسيستان، والساحل الغربي للخليج العربي؛ من الأحساء شمالًا، إلى رأس مسندم جنوبًا. ↩︎
- الشانزلزيه هو أحد شوارع باريس في فرنسا، وهو كذلك من أرقى وأفخم الشوارع السياحية والتجارية في العالم. ↩︎
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد