”مراد مراد“ للكاتبة الفلسطينية سعاد العامري .. بقلم: نهلة هنو
بقلم: نهلة هنو

لقد طالب إدوارد سعيد مرارًا وتكرارًا بـ “إعادة تأكيد قوة الثقافة على ثقافة القوة”.
وهذا بالضبط ما نجحت سعاد العامري في تحقيقه في كتابها ”Nothing to lose but your life” والذي ترجم إلى العربية بعنوان ”مراد مراد“

وباستخدام نفس الصيغة الناجحة التي استخدمتها في كتابها الأول “شارون وحماتي”، تتمتع العامري بقدرة هائلة على أن تكون ساخرة ومتوازنة حتى عندما توثِق الظروف اللا إنسانية والبائسة التي يعيش تحتها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة.
وفي رأيي المتواضع، فإن أسلوبها هذا أكثر فعالية في كشف حقيقة الأوضاع داخل فلسطين المحتلة وحشد الدعم للقضية العادلة من عشرات الخطابات السياسية.
يعتبر كتاب العامري سجلاً لرحلة استمرت 18 ساعة متواصلة من الجري والاختباء والترقب، عاشتها بنفسها عندما رافقت مجموعة من الرجال الفلسطينيين من قرية صغيرة في الضفة الغربية في محاولة للتسلل إلى إسرائيل للوصول إلى سوق العمل، حيث يقوم أصحاب العمل الإسرائيليون بالإستعانة ببعضهم للقيام بأعمال يدوية متنوعة.
أثناء سنوات عملي في شركة عالمية للبترول، كنت أشكو إلى كل من أعرفه، وأحيانًا إلى من لا أعرفه، اضطراري للاستيقاظ في الخامسة صباحًا من كل يوم من أيام الأسبوع، حتى اتمكن من التواجد في مكتبي قبل الساعة السابعة صباحًا، الموعد المحدد لبدأ العمل.
شعرت بالخجل من تذمري هذا عندما أدركت أن العمال الفلسطينيين، الذين تم حرمانهم من تصاريح العمل بعد الانتفاضة الثانية، يضطرون الى مغادرة منازلهم في الساعة 2:30 صباحًا، لبدء رحلة جهنمية للتسلل الى مدن الكيان الصهيوني. هذة الرحلة الخطرة، والتي قد تكلفهم حياتهم، تأخذهم عبر التلال والوديان، عبر الأنفاق وفوق الأسوار، وذلك لتجنب اكتشافهم والقبض عليهم من قبل قوات الأمن الإسرائيلية التي تنتظرهم في ظلام الليل.
مُنهكة من لعبة الغميضة الخطيرة بين العمال الفلسطينيين المحتملين وقوات الأمن الإسرائيلية، ومرهقة بالخوف الحقيقي على سلامتهم عندما تشرق الشمس قبل أن تتمكن المجموعة من الوصول إلى وجهتها، تساءلت: “لماذا لا يعودون ويحاولون مرة أخرى في اليوم التالي؟” لم تتركني العامري أتساءل لفترة طويلة. فبعد عدة أسطر، أخبرنا أحد أفراد مجموعتها أن الرجال يفضلون الاعتقال أو الإصابة على الشعور بالإحراج من العودة إلى منازلهم خالي الوفاض.
وعندما نجحت العامري ورفاقها الثلاثة، مراد وسائد ومحمد، في تجنب الاعتقال أو الإصابة أو الإحباط من شدة التعب وانعدام الاحتمالات لإيجاد عمل في وقت متأخر من ذلك اليوم، وبعدما تجاوزوا أخيرًا فتحة في الجدار الأمني في فترة ما بعد الظهر، صُدمت العامري، وكذلك صُدِمت أنا، عندما تذَكَرتْ أن نقاط التفتيش العسكرية والطرق المنفصلة والاختباء والمطاردة والاعتقالات وإطلاق النار كانت جميعها تحدث في الضفة الغربية، أي في الأراضي الفلسطينية المتنازع عليها. ومن المفارقات أن نلاحظ أنه بمجرد دخولهم ما يعرف بأرض إسرائيل؛ كانت لديهم حرية أكبر بكثير في التنقل من مكان إلى آخر، بل إنهم حتى تمكنوا من ركوب وسائل النقل العام الإسرائيلية.
لكل من يريد أن يحاول فهم حياة الفلسطيني الذي يبحث عن قوت يومه، له ولأسرته، تحت وطأة الاحتلال الصهيوني، أوصي بشدة بقراءة هذا الكتاب.

نُشر الإصدار الإنجليزي في عام 2010 بواسطة دار بلومزبري قطر للنشر. يتوفر الكتاب أيضًا باللغة العربية تحت عنوان “مراد مراد“.
سعاد العامري (1951) معمارية وكاتبة فلسطينية من مدينة يافا، درست الهندسة المعمارية في الجامعة الأمريكية في بيروت، وجامعة أدنبرة، ونالت درجة الدكتوراه من جامعة ميشيغان. تزوجت من الدكتور سليم تماري كبير الباحثين بمؤسسة الدراسات الفلسطينية وهي حالياً أستاذة في العمارة في جامعة بيرزيت في محافظة رام الله. أسست في رام الله “مركز رواق” لإعادة ترميم واستغلال المباني الأثرية. كما يقوم المركز بتوثيق وتسجيل وحماية الآف المواقع والمباني في فلسطين.

من مؤلفاتها:
* شارون وحماتي – مذكرات رام الله، ترجمة: عمر سعيد الأيوبي، دار الٱداب، (2004).
* مراد مراد (2011).
* جولدا نامت هنا (2014).
* دمشقي، ترجمة: عماد الأحمد، منشورات المتوسط، (2019).
* بدلة إنكليزية وبقرة يهودية، ترجمة: هلا شروف، منشورات المتوسط، (2022)
لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل
salontafker@gmail.com
تابع قناة جمال عمر علي يوتيوب شاهد قناة تفكير علي يوتيوب تابع تسجيلات تفكير الصوتية علي تليجرام انضم لصالون تفكير علي فيسبوك
شارك المحتوى
اكتشاف المزيد من تفكير
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد