نادر حمامي وسرديات الكتابة التاريخية بمعهد الدومينيكان .. بقلم: محمد صلاح سليم

بقلم: محمد صلاح سليم

308629804_10228420050823918_4056960700086223499_n-2677837525-e1719779573970 نادر حمامي وسرديات الكتابة التاريخية بمعهد الدومينيكان .. بقلم: محمد صلاح سليم

يُعد الفكر الديني في جانب كبير منه تاريخًا، أي بما أن معظم الديانات الكبرى قد نشأت وتطورت منذ قرون عديدة، وتشكلت حول قضاياها الأفكار والمدونات والعلوم المتعلقة بها؛ فهي من هذا المنظور يهتم بها علم تاريخ الأفكار، لذا فإن دراسة مدارس وسرديات التاريخ أمر في غاية الأهمية؛ لفهم الظاهرة الدينية التي يتم التأريخ لها، وكان لابد من طرح التساؤلات حول أساليب ومدارس ومناهج المؤرخين، وموقف علم التاريخ من الموضوعية أو الذاتية.
في محاضرته، أخذنا نادر حمامي في رحلة حول سرديات الكتابة التاريخية، والفرق بينها وبين التاريخ، فقد أشار إلى أنه ليس مؤرخًا، بل هو باحث ينقد سرديات المؤرخين وكتاباتهم، وأشار إلى أن التاريخ كعلم حديث قد ظهر في القرن التاسع عشر، وقد كان دور المؤلف في ذلك القرن كشف الواقع في الماضي، وبيّن حمامي أن ذلك العصر كانت سمته الوضعانية، واستبعاد ونزع السحر من العالم لصالح ما هو واقعي.

d986d8a7d8afd8b1-d8a7d984d8add985d8a7d985d98a نادر حمامي وسرديات الكتابة التاريخية بمعهد الدومينيكان .. بقلم: محمد صلاح سليم
د. نادر الحمامي


ثم مع نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، تشكلت أزمة إنسانية بسبب الحرب العالمية الأولى، وأثر ذلك على الكتابة التاريخية ومدارسها؛ فكتابة التاريخ ليست بمعزل عن الواقع السياسي الاجتماعي.
وبيّن حمامي تطور السرديات التاريخية، حيث تم التشكيك في المركزية الغربية الاستعمارية، وفي موضوعية المدرسة الوضعانية، ورأى مؤرخون أن الصراع السياسي حل محل الصراع الديني.
ثم بعد الحرب العالمية الثانية ثم الستينيات والسبعينيات، بعد ظهور البنيوية، تزعزع مفهوم “الحقيقة” وتم وضع تساؤل: هل توجد حقيقة تاريخية؟ وظهرت هذه الشكوك مع فوكو ثم دريدا وظهور التفكيكية.
وتعددت المدارس التاريخية منها من نادى بشعرية التاريخ، والنظر إلى المؤرخ على أنه يشبه الأديب، وأصبح مع “إيكو” المتلقي فاعلًا، وتم وضع كل شيء تحت مجهر التشكيك، حتى اللغة التي ظهر أنها ليست بريئة، وأنها تؤثر في المتلقي حسب طريقة الأداء، وتم دراسة المتخيل التاريخي، الذي هو التاريخ من وجهة نظر كاتبه المتأثرة بواقعه وعوامل عدة.
ثم تطرّق حمامي إلى نقد “فرانسوا دوس” للمؤرخين الذين أطلق عليهم “قبيلة المؤرخين”، ونقدهم من منظور سوسيولوجي، وبيّن أن لهم أصنامًا ثلاثة هي: الصنم الكورنولوجي أي تتبع الأحداث عبر الزمن من الماضي إلى الحاضر؟، والصنم الشخصي، أي التركيز على الشخصيات المؤثرة، والصنم السياسي أي الاهتمام بالأحداث السياسية أكثر. ويبدو من نقد “دوس” أن التأريخ الاجتماعي من الأسفل له الأولوية في نظره والاهتمام بالمهمشين والمجتمع أفقيًا.

d985d8b9d987d8af-d8a7d984d8a3d8a8d8a7d8a1-d8a7d984d985d8afd985d986d98ad983d8a7d986 نادر حمامي وسرديات الكتابة التاريخية بمعهد الدومينيكان .. بقلم: محمد صلاح سليم
معهد الدومينيكان بالقاهرة


وأخيرا تحدث حمامي عن “فريد دونر” ونقده للمدارس الاستشراقية وتطور الكتابة التاريخية في الغرب حول تاريخ المسلمين والسيرة، وحدد اتجاهات أربعة كبرى لديهم وهي:
المقاربة الوصفية وسمتها القبول بما جاء في المصادر الإسلامية ولها فرضيات منها: القيمة التاريخية للقرآن الكريم في تاريخ المسلمين المبكر، واعتماد المصادر الإسلامية خاصة الحوليات الكبرى مثل الطبري، واستبعاد الحديث النبوي من دائرة اهتمام المؤرخ. وقد وقع هذا المنهج في مأزق مثل التناقضات بين المصادر واللامعقول من الأخبار.
المقاربة النقدية للمصادر: تقوم على فرضيات منها التداخل بين الثابت والموضوع لاحقًا، واهتمت بالمصادر التاريخية الخارجية التي تحدثت عن الإسلام مثل السريانية واليونانية، واستبعدت الحديث النبوي أيضا، ومن أشهر أعلامها “يوليوس فلهاوزن”.
مقاربة نقد الرواية: وترى أنه ليس انتماء الكتاب للأدب أو للتاريخ ما يحدد إمكانية الإفادة منه، بل الرواية نفسها، وأصبح فيها الاهتمام بالحديث النبوي كمصدر تاريخي بشرط نقد الرواية، لكنها كما يرى حمامي مدرسة تقوم على الحدس في النقد.
المقاربة التشكيكية: هي تشكك في كل المصادر الإسلامية، وتركز على المصادر الخارجية، ومن أهم أعلامها “جون وانسبرو” و”باترييشيا كرون”.

د. نادر الحمامي، بمؤمنون بلا حدود يحاضر عن:  كتابة التاريخ وصناعة الذاكرة


إن أهمية محاضرة حمامي أنها مارست نقدًا مزدوجًا للكتابة التاريخية الغربية الحديثة، وفي نفس الوقت لقراءة المسلمين لتاريخهم، وأيضا ركزت على أن الفكر الديني هو موضوع تاريخي، يتعدد فهمه حسب تعدد المدارس التاريخية التي تقاربه.

لمشاهدة مشاركة د.نادر الحمامي في ندوة عن خطاب د. محمد عابد الجابري بصالون تفكير

في شهر سبتمبر 2020 : أربعة عقود في نقد العقل العربي رؤية نقدية. نادر الحمامي و مولاي أحمد صابر يدير الندوة جمال عمر

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات