نشأة وتطور المنهج السلفي ونقده .. بقلم: أحمد سمير

بقلم: أحمد سمير

d8a3d8add985d8af-d8b3d985d98ad8b1 نشأة وتطور المنهج السلفي ونقده .. بقلم: أحمد سمير

تعريف المنهج السلفي “السلفية”..
السلفية ببساطة هي “الرجوع إلى فهم السلف الصالح في كل أمور الدين والدنيا” .. ورغم قصر وبساطة تعريف “المنهج السلفي” إلا أنه يحوي في عمق تفاصيله منهج قوي ومعتبر ويعطي أصحابه حجج قويًة للرد على المشككين فيه وعلى المناهج والتيارات الأخرى كما سيرد لاحقا.

وبعض آيات الاستدلال الأخرى لاستكمال المعنى وتأكيده مثل آية: “وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم” (3 الجمعة)، وآية “والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم” (10 الحشر)، وآية “والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم” (75 الأنفال).

كما أن هناك أحاديث كثيرة ومرويات عن النبي باختلاف درجة صحتها تدلل على أن اتباع أقوال وأفعال صحابة النبي هو سبيل من سبل الهداية كحديث “أصحابي كالنجوم…” مثلاً.

وهنا ربما يقول البعض، وأين المشكلة وأين الاختلاف فكل المسلمون يؤمنون بهذه الآيات ولا ينكرونها؟!!، ولكن بالبحث يظهر جوهر الاختلاف حيث أن مؤسسي المنهج السلفي توصلوا من خلال فهمهم لهذه الآيات إلى مبدأ “عدم كفاية القرآن والسنة النبوية” كمصادر للتشريع والهداية وأضافوا لها “فهم وهدي السلف الصالح” كمصدر أساسي ومعتبر للتشريع.

ولكي يظهر تباين واختلاف منهج الفرقة السلفية عن باقي الفرق الإسلامية، ففرقة “القرآنيين” مثلاً عندهم مصدر واحد معتبر للتشريع وهو “القرآن الكريم” فقط، أما المذهبيون فعندهم مصدرين معتبرين للتشريع، وهم “القرآن والسنة النبوية” ولكن الفرقة السلفية كما قلنا لها ثلاث مصادر معتبرة للتشريع وهم “القرآن والسنة وفهم السلف الصالح”.

مفهوم “السلف” من هم السلف ؟؟..
بحسب الفرقة السلفية، فالمقصود بالسلف الصالح الذي ينبغي اتباعه هم سلف القرون الثلاثة الأولى، حيث أن هناك بعض الروايات متواترة عن النبي تشير إلى ذلك منها مثلا حديث: “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم” وربما يجب الإشارة هنا إلى أن الأحاديث المتواترة هي قليلة جدا ورغم ذلك فإن هذا الحديث تواتر عن النبي من خمسة وعشرين صحابي “تقريباً”.

وأيضا حديث عن أبي هريرة في صحيح البخاري قال “سألنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن خير الناس قال: أنا ومن معي، قلت: ثم من؟ قال: من على الأثر، قلت ثم من؟ قال من على الأثر، قلت ثم من؟ فتركني ومضى”، ومن هنا نتج مبدأ أن السلف هم الصحابة والتابعين والصالحين في القرون الثلاث الأولى، وقد اختلف الأولون في فهم معنى كلمة القرن كما وردت، فمنهم من قال أن القرن هو الجيل هو 35 سنة ومنهم من قال هو الجيل لكنه 70 سنة ومنهم من ذهب إلى أن المقصود بالقرن هو المعنى اللغوي للكلمة وأن القرن هو 100 سنة. وقد جرى العرف فيما بعد على تسمية “الصحابة – التابعين – تابعي التابعين” على أنهم القرون الثلاث الأولى، فالنبي والصحابة يمثلوا القرن الأول، والتابعين يمثلوا القرن الثاني، وتابعي التابعين يمثلوا القرن الثالث.

وذهب كثير من مؤسسي المنهج السلفي إلى أن الإمام الشافعي رغم قدمه “150هـ – 204هـ” ورغم أنه مؤسس علم الأصول لا يقع في دائرة وحدود “السلف” بحسب تعريفهم، ويرى مؤسسي المنهج السلفي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان النبع الصافي للإيمان والدين والمعرفة وأنه أصلح وأصح كلما أخذت منه وممن عاصروه وقربوا منه كلما كان ذلك أفضل وأقرب للصواب، فـ “السلف الصالح” هم “أعلم وأحكم وأسلم” بحسب رؤية أئمة المنهج السلفي.

مفهوم “الاتباع”..
من أهم مفاهيم المنهج السلفي وهيكله العظمي الممتد في كل جنباته هو مفهوم الاتباع، وبحسب المنهج السلفي فإن القرآن الكريم قد قسم أهل الإيمان إلى قسمين، قسم محدود قليل العدد وهم “أولو العلم” أو “العلماء”، وقسم آخر كبير فيه غالبية المؤمنين جمعاء وهم “التابعين”..

وقد دلل أهل المنهج السلفي على وجود أهل العلم من بين المؤمنين أو العلماء كما يقال بذكرهم في آيات كثيرة منها مثلاً آية “بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون” (49 سورة العنكبوت)، وآية “وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” (43 سورة النحل)، وآية “شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم” (18سورة آل عمران)، وغيرها من الآيات، أما القسم الباقي وفيه عموم المؤمنين فمطالبين بسؤال واتباع أولو العلم كما جاء في الآيات التالية: “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” (43 سورة النحل).

وهنا يجب توضيح أن المنهج السلفي لا يطلب من أفراد جماعته الاتباع الأعمى لآراء العلماء فقد ذم المنهج أن يتبع الإنسان المؤمن أي من العلماء أي كان أو يتبع رأي أولو العلم بدون فهم وبدون دليل “دليل على صحة الرأي” وهذا لأن آيات القرآن الكريم قد ذمت الاتباع والتقليد الأعمى في أكثر من موضع مثل آية “وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون” (104 سورة المائدة). وآية “قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين” (78 سورة يونس). وآية “قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون” (74 سورة الشعراء). وآية “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله” (31 سورة التوبة). وبهذا فإن المنهج السلفي يصف التابع المقلد بغير فهم بأنه “دابة تقاد”، لا عقل له.
كما استنكرت آيات القرآن مبدأ اتباع السائد والموروث وعدم التمحيص والتأكد في الأمور الرئيسية كالإيمان والاعتقاد فمثلاً جاء في الآيات: “قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون” (148 سورة الأنعام)، وآية “وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون” (24 سورة الجاثية) و “وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين” (32 سورة الجاثية) وغيرهم كثير من الآيات.

وبناء على ما سبق فإن معنى “الاتباع” هو أن تكون في مكان الوسط بين “أولو العلم” وبين التابع المقلد الأعمى وهو درجة “التابعين” وهو اتباع أولو العلم “بشرط توفر وفهم الدليل”.

منهج أهل السنة والجماعة..
منهج أهل السنة والجماعة هو أصل أصول السلفية ومنهلها الخصب بما يحوي من أسس بناء متينة، ويتمايز منهج أهل السنة والجماعة عن غيره بعدة نقاط أهمها مثلا بغير ترتيب:
– مبدأ “أساسية التوحيد والعقيدة” والتوسع في أحكامهم.
– مبدأ “تقديم النقل علي العقل”.
– مبدأ “الطاعة المبصرة”.
– مبدأ “وجوب الرد على المخالف”.
– مبدأ “التصدي لأهل البدع”.
– مبدأ “درء الشبهات”.
– مبدأ “الأخذ بأحاديث الآحاد” في العقيدة والأحكام.
– مبدأ “الأخذ بظاهر الكتاب والسنة” في قضايا العقيدة والأحكام.
– مبدأ “العناية بسنة النبي محمد”.
– مبدأ “الحرص على وحدة المسلمين”.
– مبدأ “تعظيم الصحابة”.
– مبدأ “الأخذ عن العلماء الثقات”.
وكثير من المبادئ التي تؤسس وتحدد بدقة ملامح “المنهج السلفي”.

هيمنة العقل السلفي على الفكر العربي والإسلامي..

ربما يعتقد الكثيرون أن العقل والفكر والمنهج السلفي هو أمر خاص وقاصر على الجماعة السلفية فقط أو ربما الوهابية على أقصى تقدير لكن الحقيقة أن العقل والمنهج السلفي متمدد ومتجذر في عقول وأفكار باقي الفرق والتيارات الثقافية الإسلامية, فالعقل السلفي والفكر السلفي مهيمن على عموم الفكر والتفكير في المجتمعات العربية الإسلامية حتى خارج الإطار الديني ويمكن وصف العقل السلفي على أنه ” كل عقل يحتاج إلى مثال سابق” وعليه فإن العقل السلفي لا يستطيع أن يمضي قدما في تدفق تفكيري سلس ومستمر بل يتوقف عند كل متغير ومستجد ليبحث في الأثر والسير والتاريخ عما فعله السابقون؛ “السلف الصالح” في موقف مشابه, وبهذا تجد أن العقل السلفي حاضر وموجود بقوة بين أهل التدين الشعبي وعند جماعة الإخوان المسلمين وعند جماعات التبليغ والدعوة وعند جماعات التكفير والجماعات الجهادية وموجود إيضا بين فرق المذاهب الأربعة وربما لن تصدق أن العقل السلفي موجود لا يختلف في آلية تفكيره بين أهل المذاهب الشيعية وجدير هنا أن نذكر أن من أهم الشخصيات التي أصلت ورسخت للفكر السلفي ومنهجه وجعلته فئة متمايزة عن باقي الفرق والتيارات الفكرية “الإمام أحمد بن حنبل” إمام أهل السنة والجماعة في مؤلف عن منهجه “أصول الإيمان” و “شيخ الإسلام ابن تيمية” الذي أ ّصل لكل أسس المنهج بشكل كامل وكذلك “الإمام الشاطبي” في كتابه “الإعتصام” و “الإمام الذهبي” وتلاميذه, وهنا ينبغي التأكيد على أن صورة الدين الإسلامي في الوعي الجمعي للمجتمعات الإسلامية تغيرت جذريا من بعد ابن تيمية وتلاميذه ومناهجهم ومؤلفاتهم عما كانت قبلهم تماما ولم تعد كما كانت قبله ابدا .

ظهور الفكر الوهابي.. 

d986d8a7d987d8af-4 نشأة وتطور المنهج السلفي ونقده .. بقلم: أحمد سمير

بدأ الفكر الوهابي كفكر ديني مخلوط بتوجهات سياسية وداعم لها في في بدايات القرن الثامن عشر الميلادي على يد الشيخ “محمد بن عبد الوهاب” والتوجه الوهابي ليس فكر ومنهج منفصل وقائم بذاته بل هو نفس الفكر السلفي وقائم على منهجه إلا أنه اكثر تشدد ومحافظة من الفكر السلفي نفسه المؤصل له كما أنه كان اكثر رفض للآخر المخالف سواء في أصل العقيدة أو في جزء منها،

إلا أن الحركة الوهابية وفكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد تم نشره أو إنتشاره بين المتدينين والبسطاء وعموم الناس بسبب أن كل كتب الشيخ كانت كتب صغيرة “كتيبات في أغلب الأحيان” تتكلم في موضوع واحد محدد وبلغة بسيطة جدا وهي عارضة وشارحة لكتب منهج السلف التراثي صعبة الفهم والمستعصية على العامة والمتخصصين أحيانا ككتب “شيخ الإسلام بن تيمية” و “الإمام الذهبي” و “الإمام النووي” و “ابن كثير” و “ابن حجر العسقلني” وغيرهم, وتستطيع أن تقول أن الحركة الوهابية هي من نقلت الفكر السلفي الأصولي من علم خاص نخبوي يتدارسه المتخصصون والمريدين ويدرس بين طالب العلم إلى نسخة بسيطة متداولة من الدين الشعبي ودين شيوخ المنابر وأهل الخطابة غير الدارسين لعلوم التخصص من توحيد وعقيدة وغيرها من العلوم الشرعية, وتلخيصا يمكن أن نقول أن الحركة الوهابية وما كتبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت بمثابة آلية لتحويل المسلم إلى سلفي بأقل مجهود ممكن .

موقف المنهج السلفي من التأويل
بحسب منهج أهل السنة والجماعة وخاصة التيارات المتشددة منها كالحنابلة والوهابية يميل أهل السلف كما قلنا قبلا إلى مبدأ “تقديم النص على العقل” وعليه فبحسب فهم أهل السلف يجب تقديم ظاهر النص وأحاديث الآحاد وحتى الأحاديث ضعيفة السند وعمل أهل المدينة وحتى أقوال الصحابة ولو كانت مفردة “قول الصحابي دليل” على أي فهم أو تأويل ما أمكن بمبدأ أن هذا هو “الأسلم والأحوط”. لأن “كل خير في إتباع من سلف وكل شر في إتباع من خلف” وأيضا لأن “لن يصلح أمر آخر هذه الأمه إال بما صلح به أولها.

المنهج السلفي والمذاهب وأصول الفقه..
على رغم من أن المنهج السلفي وعموم المذاهب الإسلامية قد تم إعادة بنائها من الداخل وترتيب وتعضيد بنية أفكارها ومبادئها بإستخدام علم أصول الفقه على مدى قرون طويلة إلا أن الإختلاف الجذري بين المنهج السلفي وبين غيره أن أغلب علماء أصول الفقه وعلماء المذاهب لا يرفضون الفكر المخالف بالكلية أو الإختلاف في الرأي ما دام هناك حجة ووجاهة ” لطبيعة إختلاف التناول في هذه المذاهب” والبعد عن التكفير لغياب المطلقات في أصول الفقه وغياب الدلالات القاطعة الثابتة للقرآن والسنة إلا أن المنهج السلفي بطبيعته ينحى إلى صحة الرأي الواحد ووصم المخالف بسبب مبدأ “الإتباع” والرفض الشديد لتعدد الآراء في المسألة الواحدة بسبب مبدأ “وجوب “الحرص على وحدة
المسلمين”.

إشكالية العقل السلفي..
مع تفشي إنتشار الفكر السلفي في مجتمعاتنا وخاصة في الطبقات الشعبية منها ودراسة منهجه وسماع مفراداته والإحتكاك بأصحابه أعتقد أنه يمكن وصف “التفكير لسلفي” على أنه “حزمة من النمطيات” فهو تفكير خطي نمطي بدائي يتمحور حول التقليد والإتباع وتعطيل العقل بمعنى أنه “تفكير مقيد” وهذه الصفات الأساسية ” نمطي بدائي – تقليدي” كانت السبب الرئيس لإنتشار وتفشي هذا الفكر السلفي بين العامة فهو فكر بدائي ومريح للعقول البسيطة “الكسولة” وقائم على النقل والتقليد ويقدم إجابات قطعية جاهزة في كل القضايا ولا يدخل أصحابه في حيرة تناقض الفكر ومسؤولية البحث عن حل و الإختيار من متعدد وهذا لأن طبيعة الفكر النمطي “السلفي هنا” تجعله سهل القبول والتداول والإنتشار بين الناس.

أسباب انتشار آلية العقل والتفكير السلفي في مجتمعاتنا.. 

كما ذكرنا قبلا أن العقل والتفكير السلفي متفشي بين عموم الناس وبين كل الطبقات الثقافية والاجتماعية وهي ظاهرة يمكن لأي مراقب أن يرصدها بسهولة لكن ما يصعب رصده هو أسباب هذا الإنتشار الواضح لأن جلها أسباب سلوكية ونفسية خفية إلى حد كبير وهذا ما سنحاول توضيحه:

– الفكر السلفي يوافق العقول الدوجمائية..الدوجمائية بإختصار هي متلازمة “علة” “تحصين الفكرة الثابتة” ويمكن وصف الدوجمائية أو الشخص صاحب الفكر الدوجمائي بالصفات التالية؛ الجمود العقلي, عدم القدرة على مراجعة الأفكار, تجاهل الحقائق أو إنكارها مادامت تخالف إعتقاده, الإعتقاد بإمتلاك الحق المطلق واليقين القطعي والرفض التلقائي, الإعتقاد بعدم الحاجة إلى مناقشة وفحص ومراجعة الفكرة الدوجمائية, اكتفاء صاحب الفكر الدوجمائي بمكون فكرته الدوجمائية ويعتبرها حقائق مطلقة ويصبح شاغله هو تثبيتها وحمايتها, الفكرة الدوجمائية ممنوع ومستحيل التفكير في سلامتها, معصومية ودامغية الفكرة وإستبدادها ورفض الشك فيها, التعصب الشديد للفكرة ورفض نقضها, الجمود الفكري والتشدد في الإعتقاد, الدوجمائي متسامح مع تياره ومؤيديه ومتشدد مع مخالفيه, الأنغلاق الذهني على أفكار ومفاهيم محددة غالبا دينية أو شيفونية, التفكير الدوجمائي تفكير إجتراري وتتحول فيه الأفكار إلى مقدسات, الشخص الدوجمائي غالبا مقولب في علاقاته وإتصالاته ، وبالزمن يحجم عن توسيع دائرته وتصبح أحكامه المسبقة هي غذائه الفكري اليومي, الزمن الحاضر عند الدوجمائي “السلفي” محتقر دائما لصالح تعظيم أمجاد الماضي وزهاء أفق المستقبل.

– التفكير السلفي يوافق فكر الأفضلية والإستعلاء.؛ من أهم مبادئ الفكر السلفي أن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – هو خير الناس وأن أصحابه وتابعيهم هم خير الناس من بعده بحسب الحديث “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم” فالإنتماء للإيمان ثم الدين ثم الفكر السلفي يعزز ويقوي عند أصحاب الفكر السلفي فكرة الأفضلية على الآخرين و الإستعالاء عليهم.

– التفكير السلفي يداوي الإنكسار والتخبط..؛التفكير السلفي والهروب إلى الماضي يخفف من معضلة العجز والتخبط وأيضا من الأسباب القوية لإنتشار التفكير السلفي في المجتمع أن الإنتماء لهذا الفكر وتوقيره أو ربما الإتباع الكامل للتيار السلفي يأتي نتيجة الإحتياج النفسي والعاطفي لنجاح وإنتصارات لجيل الأول من المسلمين “السلف الصالح” الذي يخفف و يداوي عجز وإنكسارات وتخبط الجيل الحالي من المسلمين. فكر التيار السلفي يتمحور حول استدعاء تجربة المسلمين الأول “السلف الصالح” بكل تفصيلة ممكنة, ماذا قالوا, وماذا فعلوا, وكيف تفاعلوا, وماذا تركوا, وكل كل تفصيلة, حتى نقلوا عنهم كيف أكلوا و كيف ناموا وكيف ذهبوا للغائط. أو كما قال الحديث”حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه”.

-يعتمد الخطاب السلفي الشعبي الحاضر في معظمه على كلام مرسل شجي للآذان عن تمايز جيل الصحابة والسلف وبطولاتهم لمخاطبة مشاعر العامة وعواطفهم لإستمالة وشحذ الحنين لأيام القوة والحكموالعزة أيام “السلف الصالح”.

– التيار السلفي يستدعي التاريخ ببراعة؛ وفي هذا الصدد في مجال الحديث مع العامة يقوم الشيوخ و الدعاة في خطبهم ودروسهم برسم صورة مثالية براقة لا غبار عليها لشخصيات الصحابة والتابعين كأنهم الملائكة في الورع والحكماء في العقل وايضا الإختيار من القصص التاريخية ما يثري سيرتهم ولا ينقص من قدرهم ولا ينال من صورتهم شيئا, فهم يستخدمون التاريخ ببراعة لجمع وإستمالة المزيد من الأتباع و التأثير عليهم.

-غياب المشاريع الحضارية والتنموية عن المشهد العربي.؛ كما يجب الإشارة إلى أن من أهم الأسباب الإجتماعية لإنتشار الكتلة السلفية والعقل والفكر السلفي عموما في المجتمعات العربية هو فشل كل التيارات المدنية العربية في طرح مشاريع فكرية أو أيديولوجية أو تنموية للنهوض بالمجتمعات من غفلتها وثباتها في السبعين سنة الأخيرة, مما أدي إلى حالة من الكفر بالقدرة على النهوض والتقدم بالأخذ بأسباب الحضارة المدنية الحديثة والنكوص إلى التفوق والمجد القديم ومزج الدين بالتاريخ وإستدعاء التجربة التاريخية الكاملة أمًلا في الوصول لنفس النتيجة السابقة.

-الدعم الحليجي والدعم الأمريكي ،وأيضاً من أسباب إنتشار الكتلة السلفية في عموم المجتمعات العربية هو فيض الدعم المالي الخليجي المستمر لنشر الفكر السلفي تحت مسمى نشر الدعوة وتمكين الدين ومقاومة الأفكار الشيوعية والإشتراكية كما أن الدعم الأمريكي الكبير لشتي الجماعات الإسلامية في فترة الحرب الباردة لمواجهة التكتل السوفيتي “الملحد” كان من الأسباب الرئيسية لتوغل بعض التيارات الإسلامية في المجتمعات العربية والغربية سواء ولعقود طويلة وما زالت.

– أزمة العقل السلفي مع الحضارة الحديثة؛ لا شك أن تفوق الحضارة الحديثة في القرون الثلاثة الماضية في شتى المجالات الفكرية والعلمية والعملية يضع علامة إستفهام كبيرة عند المجتمعات العربية الإسلامية حيث أنه تتجلى الأزمة بوضوح في مخالفة المنهج النظري “فهوم النص الديني” الذي يتداول على أنه الحل المثالي لأزمة التردي الحضاري “الإسلام هو الحل” مع النتائج المخزية المستمرة بتكرار محاولة التطبيق, وهنا يقف العقل العربي الشعبي متحيرا متسائلا عن سبب التأخر وإستمرار الفشل رغم تكرار المحاولة بآليات “المنهج المعصوم”, لذا سنحاول سرد بعض أسباب أزمة العقل السلفي بالأخص مع مفهوم الحضارة الحديثة.

-ضدية التفكير السلفي مع التفكير الحر والإبداعي؛ كنا قد ذكرنا في فقرات سابقة عن وصف التفكير السلفي أن صفاته الأساسية هي أنه خطي ونمطي وبدائي وهذه الصفات نتجت وترسخت في الوعي الجمعي السلفي بفعل آليات التناول مع المنهج, فنستطيع أن نقول أن التفكير السلفي “تفكير مقيد” بطبيعته, أضف إلى ذلك التقييد دوام ثبات المعطيات “سيرة النبي وروايات السلف” التي يتناولها ويجترها العقل السلفي كأساس لكل أفكاره, وأضف أيضا أن منهج التناول وآلية الخوض في أي مستجد محددة مسبقا وهي أصول ومبادئ منهج أهل السنة والجماعة, ليس هذا فحسب بل أن المفكر السلفي بعد تحديد مجال التفكير مسبقا وآلية التفكير فيه مسبقا أيضا يأتي هذا المفكر بإنحياز تأكيدي مسبق نتيجة للدوجمائية الفكرية وكمال ومثالية المنهج “لأن الموروث صحيح” في تصوره فبالتالي يكون مجال تغير نتيجة التفكير محدد ومحدود.

-فالتفكير السلفي يؤثر على طريقة تفكير أتباعه بالتكرار والإجترار والتعود, إلى أن يحدث التنميط والتكلس وبهذا يصبح التفكير السلفي تفكير إستاتيكي جامد مقابل التفكير الإنساني الحضاري الذي من أهم صفاته التجدد والتغير والديناميكية في مقابلة المستجدات والتحديات والمشاكل, فمن هنا تأتي الضدية في طبيعة كل تفكير منهم وطريقة إستقبال النتائج, فيمكننا القول بإختصار أن “الحضارة الإنسانية ديناميكية، متغيرة والمنهجية السلفية ثابتة جامدة.

-كسر العقد الإجتماعي بالمفاصلة الشديدة؛ تتكون المجتمعات الحضارية الحديثة من خليط هائل من الأعراق والأنساب والجماعات والفرق والفصائل والطبقات الإجتماعية والإتجاهات وغيرها, و لا تتفق هذه المجموعات بالضرورة في الملة والإعتقاد, تقوم الدولة الوطنية الحديثة على مبدأ المساواة بين المواطنين على إختلاف أعراقهم ومعتقداتهم, يقبل بهذا المبدأ المواطن الطبيعي الذي لا إنتماء أيديولوجي له ويقبل به أيضا العلماني والليبرالي والإشتراكي والشيوعي وكثير غيرهم من أصحاب التيارات الفكرية المختلفة, لكن هذا الفكر وهذا المبدأ غير مقبول عند التيار السلفي, فالتيار السلفي يرى بحسب منهجه أن المسلم أفضل وأعلى من غيره أي كان, وأن كل التيارات الأخري أما ضالة وأما كافرة, وعليه فالعقل السلفي يري أنه لا مساواة وأنه سيأتي الوقت إلى سيحكم فيه بمنهجه, يستخدم العقل السلفي مبادئ مثل “الولاء والبراء” و “كل خير في إتباع من سلف وكل شر في إتباع من خلف” و “التحزب” و “التقية” و “لن يصلح أمر آخر هذه الأمه إلا بما صلح به أولها” و “كسر كثر سواد الكافرين وغيرهم من المبادئ التي تعادي “المجتمع المدني” و
“العقد االجتماعي” و “دولة المواطنة”.

نقاط أخرى لن نتوسع في تفصيلها.

  • .العقل السلفي لا يؤمن بقيمة “حياة” الفرد وتمايز شخصيته لأ القداسة في المنهج والقيمة كانت
    في الأمة “السلف الصالح” والقيمة من المنهج “ما نقلعنهم” والقيمة في المغنم الجمعي لا في التميز الفردي.
  • الحضارة الحديثة تغنى وتنمو بقدرة الإنسان على الإختلاف في طرق الفكر ومسالك الإدراك وهوفعل مرفوض ومذموم في التفكير السلفي
  • العقل السلفي لا يؤمن بمبدأ المساواة بين الناس كما في القانون الوضعي, فالرجل لا يساوي المرأة ولا يساوي الطفل, والمؤمن غير الكتابي غيرالكافر, وهكذا.
  • الإستعالاء وغرس التكبر في المتبعين لدوجمائية المنهج والتفضل على الآخرين بمبدأ “نحن الأعلون” و “العزة للمؤمنين”.
  • عدم إتفاق مفهوم العلم في المنهج السلفي عنه في منهج الحضارة الحديثة, وبالتالي إختلاف معناه وقيمته ونتيجته في العالمين.
  • التماهي والتسليم لمنهج التكرار في الأقوال والأفعال كطريقة سليمة للحياة وصالحة للتقدم وتجاهل أو عداوة الإنتاج المعرفي الحديث.
  • رفض الحلول المجتمعية المتطورة..

آخر نقطة أود طرحها في هذا المقال وربما أهم النقاط في هذا السياق على الإطلاق.
أن العقل السلفي بآلية تفكيره الجامدة ومحدودية منهجه”لأنه مقيد” فهو يرفض أي حل إنساني أو مجتمعي حداثي ومتطور ويراه إما بدعة أو تقليد للغرب أومخالفة للسنة والسلف أو كفر بالشريعة أو خطر على الإسلام أو أي تهمة معلبة جاهزة لمواجهة أي تغير,فالمنهج السلفي يرفض دولة المواطنة المدنية التي تلتزم بالقانون وتساوي بين المواطنين والمنهج السلفي يكفر الإنتخابات الشعبية لإختيار السلطة و يكفربديمقراطية الحكم وتداول السلطة كما يكفر بالقوانين الوضعية في التشريع, فالعقل السلفي والفرقة السلفية لا تقبال إلا ما كان قائما قبل عشرات القرون قولًا وشكلًا و موضوعا.

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات