وجوب الطعن في علم الجرح والتعديل … بقلم: أشرف قنديل

سند جميع روايات القرآن بحسب علم الجرح والتعديل هي روايات “ضعيفة” لعيوب في رجالها شابت عدالتهم، أو ثقتهم كاتهامهم بالوضع، أو الكذب، أو سوء الحفظ، أو غيرها من اللتهم التي يُجرح بها الرواة بحسب علم الجرح والتعديل!

بقلم: أشرف قنديل

havt وجوب الطعن في علم الجرح والتعديل ... بقلم: أشرف قنديل

هل فعلاً جميع روايات القرآن الكريم التي بين أيدينا روايات “ضعيفة الإسناد” بحسب علم الجرح والتعديل؟

        نُقل القرآن الكريم إلينا متلواً بالتواتر اللفظي، جيلاً بعد جيل، فقد حمله الصحابة الكرام ممن لا يحصي عددهم إلا الله، ونقله عنهم أضعافهم عدداً إلى يومنا هذا، فتوافق الصحابة على النّص القرآني حجة لا ينقضها ولا يقدح فيها مخالفة واحد من آحاد الصحابة أو من بعدهم، إذ أن مخالفة الآحاد لا تقدح في التواتر، فليس من شرطه عدم وجود المخالف، إذ لا يلتفت إلى المخالف لمخالفته المتواتر.

       في صيف عام 1999م وقبيل انطلاق معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب، أصدر وزير الثقافة المغربي وقتها (محمد الأشعري)، قراراً بحظر دخول المصاحف بـرواية حفص عن عاصم للمغرب، وذلك بهدف حماية ما أسماه “التراث المغربي”، وخاصة المصحف المغربي المكتوب برواية ورش عن نافع، وذلك بحسب الأشعري!

 تُعد قراءة “حفص عن عاصم” -حالياً- هي القراءة الرسمية والمعتمدة في جميع دول العالم تقريباً اليوم، باستثناء دول المغرب العربي حيث نجد أن قراءة “ورش عن نافع” هي القراءة الرسمية المعتمدة فيها!

لكن في نفس الوقت وللمفارقة فإن من الثابت تاريخياً أن رواية حفص عن عاصم كانت رواية “شبة مهملة” على مدى ما يقرب من ثلاثة عشر قرناً من تاريخ الإسلام، فهي من أضعف روايات القرآن الكريم -وذلك بمعايير ما يسمى بعلم الجرح والتعديل- (كما سنرى)، لكن الله قدر لهذه الرواية الانتشار أخيراً بعد تلك القرون الطويلة من الزمان، وكان ذلك لسبب غريب جداً، ذلك أن أول طبعة كاملة للقرآن الكريم والتي طُبعت في هامبورغ بألمانيا عام 1694م (الموافق لعام 1106هـ) والتي كانت على يد المستشرق الألماني أبراهام هنكلمان (1652م-1695م)، كانت ولسبب مجهول بتلك الرواية الضعيفة “رواية حفص عن عاصم”. بعد ذلك عملت الدولة العثمانية حثيثاً على نشر “مصحف هامبورج” -المطبوع برواية حفص عن عاصم- بالتدريج ليس فقط في المناطق الخاضعة لحكمها بالعالم العربي، ولكن في جميع أنحاء العالم الإسلامي وخاصة في الهند وجنوب شرق أسيا، حتى سادت تلك الرواية وقضت على باقي الروايات تقريباً منذ حوالي قرنين!

كما تجدر الإشارة إلى أن أول طبعة “إسلامية” -أي قام بها مسلمون- للمصحف كانت في سانت بتروسبيرغ بروسيا في العام 1787م، وكانت تحت إشراف مولاي عثمان.

في البداية يجب أن نعلم أن “فقهاء المسلمين” قد تعاملوا مع القرآن الكريم باعتباره “رواية” مثلما هو مكتوب في حاشية أي مصحف. وبالطبع فإن لأي رواية “سند” أي أنها مروية عن فلان عن فلان…. وصولاً للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فالقرآن الكريم -من حيث السند- هو تماماً مثل الحديث، أي أنه يعتبر حديث طويل.

وفي نهاية أي مصحف يمكن قراءة الحاشية التي تشمل رواية هذا المصحف ومصطلحات رسمه وضبطه وعد آياته هذا المصحف الكريم وضبط على ما يوافق روايته. وفيما يتعلق برواية حفص عن عاصم نجد أن سلسلة سندها هو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي عن عاصم بن أبي النجود الكوفي التابعي عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل رضي الله عنه، عن رب العزة سبحانه وتعالى.

وفي هذا السند نجد شخص واحد فقط من الأربعة الذين أوصى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بأن يُأخذ القرآن عنهم، وهو “أبيّ بن كعب”! فقد ورد في صحيح البخاري عن مسروق قال: ذُكر عبد الله -يقصد عبد الله بن مسعود- عند عبد الله بن عمرو فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه، بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود – فبدأ به – وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي ابن كعب، ومعاذ بن جبل). قال: لا أدري بدأ بأبيّ أو بمعاذ.

المصدر: صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة باب مناقب سالم، مولى أبي حذيفة، حديث رقم 3548

وكما نعرف جميعاً فإن الفقهاء المسلمين قد ابتكروا علماً اسموه “علم الرجال” أو “الجرح والتعديل”، وذلك من أجل الحفاظ على مصداقية المرويات وعلى رأسها بالطبع الحديث النبوي (أو ما يُعرف تجاوزاً بالسُنّة)، ويقوم هذا العلم، باختصار شديد، على الدراسة النقدية للرجال الذين قاموا برواية الحديث (أي سند الحديث)، من حيث المصداقية والسيرة الذاتية ورأي علماء السلف بهم (وقد تم بطبيعة الحال استثناء طبقة الصحابة من تطبيق تلك الشروط. فجميع الصحابة “عدول” عند كل فرق أهل السٌنة والجماعة أتفاقاً)، كل ذلك بالإضافة إلى جانب معايير أخرى، وكل تلك المعايير قد وُضعت من أجل التأكد من صحة الروايات المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم.

وبتطبيق تلك المعايير -معايير علم الجرح والتعديل- على رواية حفص عن عاصم للقرآن الكريم سنفاجأ بالنتيجة غاية في الغرابة، بل صادمة وهي أن سند جميع روايات القرآن بحسب علم الجرح والتعديل هي روايات “ضعيفة” لعيوب في رجالها شابت عدالتهم، أو ثقتهم كاتهامهم بالوضع، أو الكذب، أو سوء الحفظ، أو غيرها من اللتهم التي يُجرح بها الرواة بحسب علم الجرح والتعديل!

فعلى سبيل المثال يقول الشيخ ناصر الدين الألباني -إمام محدثي هذا الزمن عند الفرقة السلفية- في كتابه “دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات الدكتور البوطي في كتابه فقه السيرة” ص107 عن حفص بن سليمان صاحب رواية القرآن الأشهر حالياً أنه متروك متهم بالكذب والوضع!

انضم مع 3 مشتركين

لمراسلة المجلة بمواد للنشر في صورة ملف word عبر هذا الايميل

salontafker@gmail.com

شارك المحتوى


اكتشاف المزيد من تفكير

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

ندوات